توقيت القاهرة المحلي 09:39:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قبل «أصالة» حاكموا «سعاد محمد»!

  مصر اليوم -

قبل «أصالة» حاكموا «سعاد محمد»

بقلم : فاطمة ناعوت

الفراغُ وهوسُ الشهرة والعداءُ الفطرىّ للبشر والحياة، أمورٌ مخيفة. إن اجتمعتْ على شخص ما، فإنه رحمه الله، يتحوّلُ إلى آلةِ تعذيب للبشر، وجهازِ تخريب للوطن. ماذا يفعلُ مثل ذلك الشخص، المنكوب بتلك الكوارث؟ يتأبَّطُ شرًّا، ومع طلعة كلّ نهار، يرفع قضيةً يختصمُ فيها مثقفًا أو فنانًا أو مفكرًا. شريطةَ أن يكونَ ذاك الخِصمُ مشهورًا، حتى ينالَ ذلك الشخصُ شيئًا من الشهرة فى خبرٍ صغيرٍ بركن جريدة، أو زاويةٍ مخفية فى موقع! أولئك المنكوبون، مشهورون بافتعال قضايا صغيرة، لملء فراغ الوقت، وحصد «الشوو» وجذب الأنظار.

يذكّرنى هذا بمحامٍ ظريف، صدّقوا أو لا تصدّقوا، رفع ضدى الشهرَ الماضى قضيةً يتهمنى فيها بأننى: (أسقى النباتات وأُطعمُ عصافيرَ السماء الطليقة)! واليومَ تقدم ذلك المحامى اللطيفُ ذاتُه ببلاغ إلى نيابة «أمن الدولة العليا» ضدّ الفنانة الجميلة «أصالة نصرى» بتهمة «ازدراء الأديان»، وطالب بإدراجها على قوائم الممنوعين من السفر! لماذا؟! لأنها غنّت أغنية جميلةً تدعمُ فيها حقوقَ المرأة، وتدعو الرجالَ أن «يستوصوا بالنساء خيرًا»، كما أمرنا رسولُ الله عليه الصلاة والسلام!

إنها عجائبُ الأيام التى يلجأ فيها الناسُ إلى «سوء استخدام حقّ التقاضى» بما يُعطلُ الوطن ويشغلُ الناسَ عن جادّة العمل. استند المحامى المشاكسُ فى بلاغه على بيان صادر من مجمع البحوث الإسلامية التابع لمشيخة الأزهر الشريف، ردًّا على ما تداولته بعضُ وسائل التواصل الاجتماعى، حول الأغنية، جاء فيه: «أن الاقتباس من الحديث النبوى فى أغنية، أمرٌ لا يليق بمقام النبوة، لما قد يلابس أداءَ الأغانى من أمور تتنافى وجلال النبوة»، وأوصى البيانُ الناسَ «فقط» بعدم سماع الأغنية.

والحقُّ أننى فى غاية العجب. فعن أبى هُريرة أن النبىّ عليه الصلاةُ والسلام قد قال: (ليس مِنَّا مَن لم يتغَنَّ بالقرآنِ) رواه البخارى ومسلم. وقرأنا أن رسول الله سمع أبا موسى الأشعرى يقرأ القرآنَ بتنغيم شجىّ، فقال له الرسولُ الكريم: «لو رأيتنى وأنا أستمع لقراءتك البارحة! لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داوود». فقال أبوموسى الأشعرى: «أوَ كنتَ تستمعُ لى يا رسول الله؟» قال الرسولُ: «نعم». فقال الأشعرىّ: «لو أعلمُ أنكَ تستمع لى لحبّرته تحبيرًا». فالقرآنُ العظيم نحبُّ سماعَه مُرتّلاً ومُجوّدًا على وقعِ المقامات الموسيقية الشجية. فهذا «مقامُ الصَّبا» الروحانىّ الحزين، يتلو عليه القرآنَ الشيخان العظيمان: محمد رفعت، ومحمد صدّيق المنشاوى. وهذا مقامُ «النهاوند» الرقيقُ العذب، توسَّله المنشاوى ورفعت والعسافى والشاطرى؛ لترتيل القرآن الكريم. وهذا مقامُ «الرست» الرصينُ، يستهلُّ على وقعه الفخيم كثيرٌ من أئمة الحرمين الشريفين مثل الحذيفى والسديس والشريم والمحيسنى، ثم يُعرّجون على مقام «البيات»؛ الذى يتسلّل إلى الروح مثلما يتسلّلُ جدولٌ من الماء العذب إلى أرض ظمأى. وهذا عظيمُ المقرئين «عبدالباسط عبدالصمد»، يتنقّل بين المقامات، مثل عصفور يجولُ من غصنٍ إلى غصن، ليرتشفَ الناسُ من حنجرته حلاوةَ آيات الله البيّنات.

أما أغنيةُ «أصالة» الجميلةُ، فعنوانُها: «رفقًا»، كتبها الشاعر: «محمد أبو نعمة»، ولحّنها: «سهم»، وتقول كلماتُها: «رفقاً بمَن عنهنَّ قِيلَ/ استوصوا خيرًا بالنساءْ/ فقد خُلقن بضَعفِهن/ وزادَهُنَّ الله حياءْ/ هُنَّ السكينةُ فى المحن/ هُنّ المعونةُ للرجال/ جُمِّلن بلباسِ التُقى/ زُيّنَّ بأحبِّ الخصالْ/ فيهنّ مَن فاضتْ عليها/ من السماءِ المعجزاتْ/ هُنّ الشقائقُ والسكنْ/ والغالياتُ المؤنسات/ ولهنَّ باعٌ يُحترم/ فى العطفِ والجودِ والكرمْ/ واللهِ ما أهانَهُنّ/ إلا لئيمٌ قد ظلمْ/ أدّينَّ كلَّ الواجباتِ/ وضربنَ فى الطُهرِ المثلْ/ وصلُ الإله مَن اتقاه/ فيهنَّ وبهنَّ اتصل/ رفقًا بمَن من أجلِها / نَطَقَ الرضيعُ بمهدِه/ الخيرُ كلُّ الخيرِ فى/ مَن كان خيرًا لأهله» فبأى صلفٍ وتجبّرٍ نختصمُ كلماتٍ بهذا الجمال والبهاء والرقىّ؟!

وإننى، فى مقامى هذا، أدعو هذا المحامى المشاغب بأن يتقدّم، إن استطاع، بدعوى قضائية مماثلة لمحاكمة المطربة الراحلة «سعاد محمد»؛ التى شدت بصوتِها الآسر، على وجه المليحة «سميرة أحمد» فى فيلم «الشيماء» قائلة: «إنكَ لا تهدى الأحبّة واللهُ يهدى مَن يشاء»، فى اقتباس صريح من الآية الكريمة: «إنّكَ لَا تهدى مَن أَحببتَ ولكنَّ اللَّهَ يَهدى مَن يشاء وهو أعلمُ بِالمهتدين» الآية ٥٦/ القَصَص. والأغنيةُ من كلمات العبقرى عبدالفتاح مصطفى، وموسيقى العبقرى محمد الموجى. وربمّا كذلك أدعو أن يتقدّم محامٍ مسيحىّ بدعوى قضائية مماثلة ضدّ رمز مصر الخالد «أم كلثوم»، لأنها شدت قائلة: «الله محبة»، من إنجيل يوحنا.

أيها الأزهرُ الشريف، ويا مجمعَ البحوث الإسلامية، رجاءً ورفقًا: لا تقتلوا الإبداعَ فينا، فإن فيه ملاذًا وخُلقًا وحياة. ورفقًا بالوطن. «الدينُ لله، والوطنُ لَمن يترفّقُ بالوطن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبل «أصالة» حاكموا «سعاد محمد» قبل «أصالة» حاكموا «سعاد محمد»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 04:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم
  مصر اليوم - القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى

GMT 20:31 2021 الثلاثاء ,01 حزيران / يونيو

وادي دجلة يكشف خطة الفريق للبقاء في الدوري الممتاز

GMT 09:26 2021 الأربعاء ,12 أيار / مايو

"الفيفا" يعلن مواعيد مباريات تصفيات كأس العرب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon