بقلم : أمينة خيري
بعد سنوات طويلة من العمل فى مجال الصحافة وتدريسها والتدريب عليها، أقول بكل ثقة إن الصحافة بمعانيها التقليدية وغاياتها المنصوص عليها فى الكتب والمراجع تغيرت وتبدلت. الأدوات اختلفت، والمنصات القديمة اندثرت وحلت محلها غيرها. وهذا ليس جيداً أو سيئاً، لكنه واقع. يعترف به البعض، وينكره البعض الآخر. يواكبه فريق، ويغمض عنه آخر عينيه. ووضعنا الصحفى فى مصر ليس استثناء. فهو يشبه الدول- حكومات ومؤسسات وقائمين على الصحافة- التى تجاهلت التغيير وتعاملت معه من منطلق IBM «إن شاء الله بكره معلش». واليوم نصحو على «حيص بيص» صحفى شبه كامل. تدهور أوضاع صحف «قومية» وضعف ونقص فيتامينات التحديث والتطوير والمواكبة، وتغير معادلات الصحف الخاصة لأسباب متعددة، وتركيبة المجتمع، حيث قيمة القراءة والمتابعة واستقاء المعلومة من مصادر موثوق بها لا تتمتع بمكانة متميزة لأسباب عدة، بعضها يتعلق بنوعية التعليم غير الجيد وأولويات الاهتمامات المختلفة، والبعض الآخر له صلة بمصداقية المنتج الصحفى، بالإضافة إلى تمكن منصات التواصل الاجتماعى من الهيمنة شبه الكاملة على الساحة، حيث أصبحت لها مكانة الصدارة فى تعريف المجتمع بما يحدث (من وجهة نظر كاتبيها وناشطيها، وليس بالضرورة بناء على ما حدث بالفعل)، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية التى أطاحت أرضاً بالصحافة التقليدية (بما فيها الصحافة التليفزيونية). وللعلم فإن المواقع الخبرية- باعتبار محتواها شكلاً من أشكال الصحافة التقليدية ولكن على منصة حديثة- لم تنجُ من التغيرات الكبرى. والصحافة ليست فقط منصات وأدوات ومحتوى، فخلف كل هذا بشر يعملون وينتجون بغض النظر عن جودة المحتوى أو رداءته، أو كونه يندرج تحت بند الصحافة التى تقوم بمهام الإخبار والإعلام والتوعية، وهمزة الوصل بين أطراف المجتمع وغيرها، أو التى تقوم بمهام التسخين والإثارة وصناعة التريند، و«شاهد قبل الحذف»، و«شاهد من حضر جنازة الفنان الفلانى»، و«اقرأ ماذا قال فلان عن ارتباط علانة بعلان»، وهلمّ جرا. العنصر البشرى فى الصحافة المصرية طاله أيضاً ما طال الصحافة بوجه عام. ومن الظلم أن نطالب خريجى كليات الإعلام فى الألفية الجديدة بأن يقتدوا بشيوخ الصحافة فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، أو حتى سبعينياته وثمانينياته. صحيح أن هؤلاء الشيوخ جهابذة ونقاط فارقة فى مصر، ومنهم ننهل ونتعلم، لكن أن نطالب صحفيا (ة) فى العشرينيات من العمر بأن يكون نموذجاً مستنسخاً من محمد التابعى أو نسخة كربونية من محمد حسنين هيكل، فهذا خيال محض. الصحافة المصرية فى أزمة. وهى تحتاج مشارط بديلاً عن المسكنات. وتحتاج جراحين مدربين على أسس الجراحات الحديثة ممن لم يكتفوا بالقواعد التى وضعها أبوقراط، مع العلم أن الصحافة الحديثة ليست صراخاً ليلياً وتريندات نهارية. المشهد الصحفى المصرى الحالى لا يختلف كثيراً عن ملف المخالفات والعشوائيات، لكنه يحتاج أيادى مدربة لا على الهدم بل البناء.