بقلم - زاهي حواس
ما زلنا نسلط الضوء على كتاب الدكتور نايف بن علي القنور عن الرسوم الصخرية في الجزيرة العربية والذي قامت بنشره هيئة التراث الوطني بالمملكة العربية السعودية، فمن خلال دراسة الرسوم الصخرية قدم لنا الباحث معلومات قيّمة عن طبيعة الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية في الجزيرة العربية. ولقد كان سبيله في دراسته المهمة يعتمد على الزيارات الميدانية لمواقع هذه الرسوم وتسجيلها بالشكل العلمي من رسم وتصوير وتوثيق للعلاقة بينها وبين المواقع الأثرية التي تنتشر بها الرسوم الصخرية، بالإضافة إلى الرجوع إلى المصادر والمراجع العلمية التي تدور حول موضوعات مرتبطة بالرسوم الصخرية - كما سنبين فيما بعد -؛ وذلك للوصول إلى تحليل وشرح لما يمكن استخلاصه من معلومات مما تم العثور عليه من رسوم صخرية هي في واقع الأمر نافذة مهمة نطل من خلالها على ماضٍ عريق لحياة الناس في الجزيرة العربية.
يشير الدكتور نايف بن علي القنور، إلى أن الهدف من نشر دراسته عن الرسوم الصخرية هو التعريف أولاً بطبيعة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بل والدينية في الرسوم الصخرية، هذا بالإضافة إلى تسجيل كل المعلومات عن مظاهر ومناحي الحياة التي كانت سائدة في الجزيرة العربية في ذلك العهد، والذي يعرف الباحثون جيداً قيمة ما أضافه الباحث؛ نظراً لندرة ما هو معروف من معلومات في هذا المجال. ومن المهم أن نؤكد على أن وجود رسوم صخرية واضحة ومسجلة بطرق فنية عديدة على واجهات الصخر في الهضاب والجبال بمناطق مختلفة بأرض الجزيرة، تدور حول حياة الرعي والقنص والتجارة، وغيرها من أنشطة الإنسان المختلفة في بيئته ذات الطبيعة الخاصة بالجزيرة العربية، كان هو المعين الذي مكّن الباحث من تقديم دراسته الوافية عن مناحي الحياة والتحديات التي واجهها سكان الجزيرة العربية، ليس هذا فقط، بل مهّد بدراسته هذه الطريق لدراسات مستقبلية تضيف إلى ما نملكه الآن من معلومات عن حضارات الجزيرة العربية.
إن دراستنا لتاريخ وحضارة الإنسان القديم بشكل عام، علمتنا أن الإنسان بالفعل كان إلى حد ما أسير بيئته المحيطة والمناخ الذي عاش فيه؛ وأنه كان مشغولاً باستغلال ما توفره له بيئته وما يمكنه هو فعله للتأثير في بيئته لتحويلها للعمل في صالح بقائه واستمرار جنسه أو ما يعرف اصطلاحاً بغريزة البقاء ومقاومة الفناء. كذلك، فإنه مع اختلاف البيئات والمناخ، فإن حياة البشر قديماً كثيراً ما تشابهت وتقابلت في العديد من نواحي الحياة، سواء كان هناك اتصال ما بين هذه المجتمعات البشرية المختلفة أم لا! بمعنى، أن عقل الإنسان الذي عاش على أرض الجزيرة أبدع وقدّم إسهامات وفق ما توافر له من خبرات موروثة أو مكتسبة مثلما فعل الإنسان ببلاد النهرين أو أخوه الذي عاش في مصر، وكثيراً ما تشابهت المخرجات الحضارية بتلك الحضارات المختلفة، سواء كانت نتيجة صلات أم نتيجة فكر إنساني واحد يعود إلى وحدة الجذر.
أعجبتني كثيراً مقدمة الدكتور نايف بن علي القنور عن النقوش والرسوم الصخرية ودراسته التحليلية لأهميتها الحضارية، وكذلك التفاسير المهمة للغرض من وجودها. وقد أتبع ذلك بفصل مهم عن تطور الأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وركز على الاحتفالات التي كانت تقام والهدف منها، سواء كانت مجرد احتفالات اجتماعية حضارية أم دينية. وأعتقد أن من المعلومات المهمة بالبحث، هي التفسير العلمي للأوضاع الاقتصادية والتي تتطرق إلى الزراعة وتطورها، وكذلك الصيد ودلالاته وتأثيراته على مجتمعات الجزيرة العربية. هذا بالإضافة إلى ما قدمته دراسته من معلومات عن الحياة الدينية والمعبودات التي ظهرت بالنقوش الصخرية، ونوع العبادة المرتبطة بها وطقوسها المختلفة، وعلى رأسها تقديم القرابين.