بقلم: طارق الشناوي
صار من القليل النادر أن تلمح بصمة المخرج على الفيلم الكوميدى، فى العادة ينحسر دور المخرج فى ضبط إيقاع (الإيفيه) بالصوت والصورة، غالبًا الذى يقود كل التفاصيل فى الاستوديو هو النجم، عادة ما يصنع العمل الفنى على مزاجه ومقاسه وطبقًا لما يحدده مسبقًا، حتى فى اختيار الفنانين والفنيين، الكل ينتظر رأيه أولًا، ولا تتجاوز وظيفة المخرج سوى تحقيق ذلك الهدف لنجم الكوميديا.
بينما المخرج أحمد الجندى، فى فيلم (فاصل من اللحظات اللذيذة)، أكد أنه حقًا القائد، كانت لديه قماشة كوميدية تسمح له بأن يضيف لمحات خاصة بحركة الكاميرا والمونتاج والإضاءة والمؤثرات والديكور، الفكرة بوجود عوالم موازية لكل منا، ولكنه فى كون آخر شاهدناها فى العديد من الأعمال الدرامية، تعبر عن رغبة دفينة لنا جميعًا بحل كل مشاكلنا الحياتية بهذا العالم الذى يحتفظ بنسخ احتياطية لنا، ولكن بمواصفات أخرى.
المخرج تستطيع أن ترى بصمته واضحة، منذ حماسه للفكرة، هذا قطعًا لا يعنى أنه لا ينصت للآخرين وعلى رأسهم النجم، ولكن فى النهاية هو القائد، السيناريو كتبه شريف نجيب وجورج عزمى، يتطلع لرسم مساحة بصرية مختلفة من خلال حلم بطلى الفيلم هشام ماجد وهنا الزاهد بعالم مختلف فى كون آخر، يتواجدان فيه بعيدًا عن العالم الواقعى على طريقة (كوكب تانى) لمدحت صالح، إنه الحلم المستحيل، والسينما فى جزء منها تحقق لجمهورها المستحيل عمليًا أو علميًا، ويمنح السيناريو مساحات متوازية لكل من هشام وهنا ومحمد ثروت الذى يؤدى دور ابن عم البطل، كما أن بيومى فؤاد له أكثر من إطلالة فى الأحداث، فهو مدير هشام المهندس المعمارى الفاشل، ونشاهد أيضًا الطفل جان رامز، بين الحين والآخر له أيضًا مساحة من الكوميديا.
السيناريو يقدم عالمًا افتراضيًا تجد فيه الشخصيات تنتقل من الفقر المدقع للغنى الفاحش ومن عالم بشرى، إلى عالم فى جزيرة لالاند، وأنت كمتلقى تتعايش مع الحدث، بالقانون الذى فرضه المخرج بمفرداته الإبداعية.
الشريط السينمائى يقدم الكوميديا الناعمة التى تشبه ملامح هشام ماجد، واستطاع المخرج أن يعيد بنسبة كبيرة ضبط موجة هنا الزاهد التى عندما أدركت أن أكبر عدو لها هو أن تصبح نمطًا مصريًا للعروسة باربى، ابتعدت بمساحة ما عن باربى، ولكنها لم تتخلص منها تمامًا، هنا تمتلك مقومات وإمكانيات أكثر سنراها كلما حققت حالة التحرر الداخلى.
قطعًا لو ارتفعت الإمكانيات المادية أكثر لصار أمامنا حالة أخرى عوالم موازية أكثر ثراء، إلا أن المخرج فى حدود المتاح قدم كل ما يمكن تحقيقه من الخيال.
هشام ماجد مشواره يتجاوز 15 عامًا بدأ مع شيكو وأحمد فهمى، شاركوا فى التأليف والتمثيل معًا، وكان بينهم نجاحات مشتركة البداية الملفتة فى (ورقة شفرة)، ثم (سمير وشهير وبهير) و(الحرب العالمية الثالثة)، أحمد كريم انسحب مبكرًا، وظل شيكو وهشام يلتقيان معًا، كما أن كلًا منهما فى نفس الوقت يقدم أعمالًا منفردة، مما يزيد من حالة الاشتياق لمشاهدتهما معًا.
هشام خرج منتصرًا فى رمضان الماضى، من خلال مسلسل (أشغال شاقة)، وعاد أيضًا منتصرًا فى فيلم العيد، صار لديه جمهور ينتظره ويثق فى النتيجة، هشام منهجه هو الضحكة همسًا حتى لو لم يتجاوز أحيانًا حدود الابتسامة، إلا أنها ترشق فى القلب، يمارس الفن بقدر كبير من الهدوء والأريحية، حالة السخونة التى تنتاب القسط الوافر من نجوم الكوميديا، والغلظة فى الأداء الصوتى والحركى ليست أبدًا منهج هشام ماجد، أتذكر أننى سألت سمير غانم عن ممثلى الكوميديا فى هذا الجيل والعيب القاتل الذى يحذرهم منه؟، أجابنى الصوت العالى لانتزاع الضحكة، وكان يقصد بالصوت أيضًا الأداء الحركى، وأعتقد أن عنوان الهمس الكوميدى فى هذا الجيل هو هشام ماجد، يكتسب فى كل عمل فنى شريحة جديدة من الجمهور، لا يشترط الانفراد بالضحكات على الشاشة، وهو فى النهاية يحسبها باعتبارها أقرب لمعادلة اقتصادية الهدف هو الربح، ولهذا لا يستأثر أبدًا بأن يصبح هو فقط هداف الكوميديا، بجواره ثروت بسخونته فى الأداء، وهنا أضافت الكثير، وأيضًا الطفل جان رامز، هنا تتمتع بخفة ظل وحضور أمام الكاميرا، وسوف يزداد حضورها كلما ابتعدت عن التنميط فى الأداء، النمط من الممكن أن تتقبله فى مساحة درامية محدودة، ولكن أداء الشخصية الدرامية بكل أبعادها يتكئ على أن تخلق الشخصية مفرداتها.
السيناريو فتح الباب بنعومة للكثير من المواقف التى تعبر عنها الصورة، وهو ما يستحق أن نشيد بالكاتبين الجديدين جورج وشريف، جورج هو كاتب حوار أبلة فاهيتا، التى شكلت لنا قبل نحو عشر سنوات ضحكة حقيقية، حتى لو تجاوزت أحيانًا الخطوط الحمراء المتعارف عليها.
الفيلم يتميز بروح وجو عام ومفتاح أداء، حافظ عليه المخرج أحمد الجندى، الذى خرج هذا العام مهزومًا فى ماراثون رمضان مع الجزء الثامن من (الكبير قوى)، لأنه لم يدرك أن هناك مرحلة تشبع لا يجوز مهما كانت الدوافع تجاوزها، أظن أن نجاح (فاصل من اللحظات اللذيذة) فى الوصول لجمهور العيد سيحقق له قدرًا من التوازن، نجحت أيضًا فى تعميق الإحساس بحالة الفيلم أغنية (ابن المحظوظة) لأحمد سعد، كتبتها منة عدلى القيعى، ولحنها أحمد طارق بخفة ظل.
خرج الكل منتصرًا الكل (أولاد محظوظة)، الشريط قادر على أن يظل داخل الدائرة الجماهيرية، بعد العيد