بقلم - إبراهيم البحراوي
الرئيس الأمريكى ترامب اسمح لى أن أواصل مخاطبتك بما أنك الرئيس الوحيد فى العالم القادر على إنهاء الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى بصورة تزيل أكواما من الكراهية والأحزان، ويحل محلها واقع جديد من علاقات الجيرة الحسنة بين الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى.
لقد بلغ علمك بالتأكيد نبآن: الأول هو نبأ غضب الفلسطينيين من الموقف الأمريكى السلبى الذى أدى إلى إضعاف منظمة غوث اللاجئين «الأونروا»، والثانى نبأ مسيرة العودة السلمية الكبرى التى يقوم بها اللاجئون الفلسطينيون كل يوم جمعة منذ ستة أسابيع على مسافة من السياج الحدودى الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، فى محاولة للعودة إلى منازلهم المغتصبة بطريقة سلمية، وهى المسيرة التى ستصل إلى ذروتها بمحاولة عبور الحدود يوم ١٤ مايو الجارى.
أرجو أن تتصور حجم المأساة لأناس تركوا بيوتهم تحت تهديد السلاح والرعب من المجازر وفراراً من الموت منذ سبعين عاما، وهم يعيشون اليوم مجردين من الأمل فى الحياة، يحاصرهم واقع الحرمان ومشاعر المرارة وهم يحلمون بالعودة إلى ممتلكاتهم التى سُلبت منهم، والتى تقع فى مرمى أبصارهم.
سيادة الرئيس ترامب.. هؤلاء اللاجئون الفلسطينيون ولدت مشكلتهم بالتدبير الإسرائيلى المسبق وبالنار والدم، كما يقول المؤرخ الإسرائيلى بنى مورس، ولم يتركوا بيوتهم بمحض إرادتهم كما تزعم أبواق الدعاية الإسرائيلية، ولابد لهم من حل عادل يحيل استعدادهم للموت على أيدى القناصة الإسرائيليين فى مسيرات سلمية إلى رغبة فى الحياة لهم ولجيرانهم، وهو الحل الذى ينتظره منك العرب والأوروبيون وسائر دول العالم فى خطتكم للسلام الشهيرة بصفقة القرن.
لقد اعتمد بنى مورس فى رسالته للدكتوراه، التى نشرتها دار النشر التابعة لجامعة كمبريدچ تحت عنوان (The expulsion of palestinians and birth refugee problem) على الوثائق الإسرائيلية والبريطانية والأمريكية عن فترة إنشاء دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، وهى الوثائق التى أُفرج عنها وأتيحت لاطلاع الباحثين فى مطلع الثمانينيات.
يقول بنى مورس اعتمادا على هذه الوثائق إن الخطة ذات البعد الأيديولوچى الصهيونى التى تم تطبيقها لدفع السكان العرب للهرب خوفا من المجازر قد وافقت عليها رئاسة الوكالة اليهودية برئاسة بن جوريون فى مايو ١٩٤٦، وتعرف فى الوثائق بخطة مايو، أما الخطة العسكرية التنفيذية لخطة مايو فهى الخطة (دال)، التى وافق عليها بن جوريون وقادة الهجاناه فى مارس ١٩٤٨.
يقول الدكتور بنى مورس إن رؤساء منظمة الهجاناه العسكرية اليهودية اجتمعوا فى شهر مارس عام ١٩٤٨ بقيادة بن جوريون، ووضعوا الخطة (دال) التى هدفت إلى حماية الدولة اليهودية المستقبلية، وكانت المهمة الأولى تتمثل فى إلحاق الهزيمة بالقوات الفلسطينية المحلية، وقد جاء فى هذه الخطة: «ولكى نضمن سلامة حركة السير على الطرق فلابد أولا من إسكات القرى والمدن المطلة على هذه الطرق بالقوة، فإما أن ترضخ لسلطات الهجاناه أو يتم تدميرها وترحيل سكانها بالقوة». ويعلق بنى مورس بقوله: «أى أن الهدف من هذه الخطة هو إخلاء التجمعات السكانية العربية الواقعة ضمن المنطقة التى ستقوم عليها الدولة اليهودية». لقد نصت الخطة (دال) على ضرورة احتلال المدن والقرى العربية، وإذا أمكن البقاء فيها بقوة الاحتلال فلا مانع، أما إذا تعذر ذلك فيتم تدميرها وإشعال النار فيها وطرد سكانها، وكذلك نسفها وزرعها بالألغام لضمان عدم عودة أصحابها لها. لقد جاء فى أوامر العمليات التى عثر عليها الدكتور بنى مورس بين الوثائق والتى كانت موجهة من قيادة الهجاناه إلى عدد من الألوية أنه يجب احتلال القرية أو المدينة وإشعال النار فيها أو تدميرها حسبما تراه مناسبا. يقول الدكتور بنى مورس تعليقا على هذا الأمر: «وبما أن هذه الخطة كانت تنطوى على توجيهات استراتيجية أيديولوجية لعمليات ترحيل السكان العرب وطردهم على أيدى قادة الجبهات بشكل غير مباشر، فإن الخطة دال قد وفرت غطاء رسميا مقنعا لقادة وحدات الهجاناه، حيث كانوا يدَّعون دائما أنهم طردوا السكان العرب من قراهم ومدنهم لأن الوضع العسكرى كان يتطلب ذلك الإجراء كإجراء مناسب».
سيادة الرئيس ترامب.. هذا هو التاريخ الدامى لمأساة اللاجئين الفلسطينيين أمامكم بالوثائق، فلتحولوه إلى تاريخ عادل مختلف فى صفقة القرن، لتكون بحق معجزة الإنصاف والسلام.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع