توقيت القاهرة المحلي 10:56:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخيط الروسي والسجادة السورية

  مصر اليوم -

الخيط الروسي والسجادة السورية

بقلم: غسان شربل

لم تكن زيارة «الربيع العربي» لربوعنا موفقة. نتحدث عنها كأننا نقرأ في رواية قديمة مؤلمة. يخالجنا شعور أن تلك الأحداث وقعت في زمن بعيد. وأن طبقات من التراب والنسيان غطت بقع الدم التي توزعت في العواصم والساحات. ومن حق المرء أن يتساءل ما إذا كان ذلك الربيع بكر أم تأخر. وما إذا كانت مجتمعاتنا ملقحة ضد الربيع والتغيير. الأكيد أن الربيع وجد مجتمعاً دولياً مستعداً للتصفيق وتحريض الثوار على مزيد من الأحلام، لكن من دون توفير التضامن السياسي والقانوني والإنساني في ساعة الامتحان. والحقيقة أنه يمكن معاقبة الربيع بوسائل عدة، خصوصاً حين يستولي المتشددون على المنابر والساحات، فيهجم الخوف على المجتمع، وتتحرك قوات الأمن لتبديد الخوف والربيع معاً. يمكن معاقبة الربيع بأساليب كثيرة في الشرق الأوسط الرهيب، لكن العقاب في سوريا كان الأشد، وكانت الحصيلة نظاماً منتصراً في بلاد مدمرة. فبعد عقد على الشرارة الأولى، تبدو سوريا حائرة وسط التدخلات والأعلام والخسائر والأرقام.
يمكن القول إن النظام السوري كان محظوظاً. إيران التي تعتمد لغة الدفاع عن المقهورين والمظلومين اختارت منذ اللحظة الأولى منع الربيع السوري من إنجاز أي تغيير في وضع النظام وتموضعه الإقليمي. كان تغيير النظام في سوريا يعني ببساطة قطع خط الاتصال بـ«حزب الله» في لبنان، وهو أكبر استثمار إقليمي لإيران، والدليل الدور الذي يضطلع به الحزب في حروب المنطقة.
تكاثرت التدخلات على أرض سوريا. وتدفقت الأسلحة وقوافل المقاتلين في مواجهة تميزت بوحشيتها، خصوصاً بعدما صار أسلوبها الوحيد هو أسلوب «الأرض المحروقة». لكن التجربة أظهرت أن الميليشيات الموالية لإيران ليست قادرة وحدها على منع سقوط النظام، بعدما اقتربت هجمات المعارضين من قلب دمشق. كان لا بد من البحث عن مظلة تنقذ النظام من السقوط، وتعطيه لاحقاً فرصة ترميم قدراته لاسترجاع المناطق الحيوية. وإذا كانت طهران كرهت الربيع حين اقترب من دمشق، فإن سيد الكرملين لا يحبه أصلاً. أسباب كثيرة شجعت فلاديمير بوتين على توجيه ضربة قاضية للربيع السوري. لا يحب بوتين الثورات الملونة، وبيانات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية، ويعتبرها مجرد أقنعة لرغبة غربية لانتهاك سيادة الدول. سبب آخر أشد وجاهة. تعسكرت الثورة السورية واستولى على صفوفها الأمامية المقاتلون الجوالون الذين سهّلت تركيا تسللهم إلى الأراضي السورية، فرفعوا شعارات «داعش» و«القاعدة». وكان بين هؤلاء عدد كبير من الوافدين من البلدان الخارجة من الركام السوفياتي، فرأى بوتين فرصة في أن يطاردهم على أرض سوريا، بدلاً من أن يطاردهم على أطراف روسيا أو داخلها.
قلب التدخل الروسي الموازين، وها هو الربيع السوري مجرد ذكريات. لم يعد إسقاط النظام مطروحاً، وأكثر ما تحلم به الدول الغربية هو أن يوافق الرئيس بشار الأسد الذي يقترب من الفوز بولاية رئاسية جديدة على إبداء مرونة باتجاه الحل السياسي، ولو أقل مما يطالب به قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وعندما اعتبرت سوريا ساحة مفتوحة للتدخلات، تقدمت تركيا بدورها لتقويض الشريط الكردي قرب حدودها ولتحجز، على غرار إيران، موقعاً في أي مفاوضات مقبلة.
الخريطة شديدة التعقيد. الانتصار الروسي واضح لكنه ناقص. الإيراني شريك صعب، وهو تسرب إلى الأجهزة العسكرية والأمنية السورية، وإلى بعض المجتمع. وإسرائيل تشن حرباً لا هوادة فيها على التموضع الإيراني في سوريا، وبوتين يعطي نتنياهو صفة الشريك والصديق. وتركيا شريك معترف به منذ انطلاق مسار آستانة مع روسيا وإيران. أما الوجود العسكري الأميركي على الأرض السورية فهو وجود يرفع راية التصدي لـ«داعش»، لكنه يأمل في قطع طريق طهران - بيروت، أو مراقبتها على الأقل. الانتصار الروسي ناقص لأن موسكو ليست قادرة على قيادة عملية لإعادة الإعمار في سوريا، ولا قادرة على إعادة تأهيل النظام، وإعادة دمجه في المجموعتين العربية والدولية. وانتصار النظام ناقص أيضاً. لم يعد مهدداً بالسقوط عسكرياً، لكن التدهور الاقتصادي المريع عدو لا يقل خطورة. ثم إن القدرة على الإقامة الطويلة وسط الركام والأرقام المذهلة لعدد القتلى والجرحى واللاجئين والنازحين محفوفة بالعزلة والتآكل.
في ضوء هذه المعطيات، ومع وجود إدارة أميركية تتلمس طريقها في الشرق الأوسط، جاءت جولة سيرغي لافروف الخليجية التي شملت السعودية والإمارات وقطر. وكان لافتاً أن لقاء الدوحة الروسي - القطري - التركي أسفر عن إطلاق «مسار سياسي مواز لمسار آستانة». واضح أن روسيا الحاضرة حالياً في الملفات الليبية والأفغانية والسورية لا تملك وحدها القدرة على صناعة الحلول. تحتاج إلى تفاهم مع أميركا، وتحتاج أيضاً إلى دعم الدول الخليجية. ويعرف النظام السوري أنه غير قادر على تغيير واقعه الحالي من دون اتخاذه خطوات تشجع العرب على إعادته إلى الجامعة العربية، وتشجع الغرب على تليين العوائق التي تحول دون مساعدته على التقاط أنفاسه.
روسيا هي اللاعب الأول في سوريا الحالية، لكنها ليست اللاعب الوحيد. الخيوط الروسية لا بد منها لحياكة سجادة الحل في سوريا لإخراجها من الركام والتدهور الاقتصادي، وفتح الباب لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين. يحتاج الحائك الروسي أيضاً إلى الخيوط الأميركية والأوروبية والخليجية والتركية والإيرانية. سجادة الحل في سوريا ليست بسيطة، وتعرف روسيا وسوريا أن إدارة بايدن المهتمة بالاتفاق النووي مع إيران، واحتواء «الصعود الصيني»، قد لا تكون مهتمة بتمكين بوتين من تحقيق مثل هذا النجاح في سوريا من دون ثمن مقابل. هل يستطيع الأسد تسهيل مهمة الحائك الروسي؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيط الروسي والسجادة السورية الخيط الروسي والسجادة السورية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon