توقيت القاهرة المحلي 05:23:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عقد على الربيع العربي: عن الاستقرار ومنطق الدولة!

  مصر اليوم -

عقد على الربيع العربي عن الاستقرار ومنطق الدولة

بقلم: يوسف الديني

عشرات الكتب والدراسات المعمّقة في محاولة قراءة لحظة ما سُمّي الربيع العربي الذي مرّ عليه الآن عقد كامل، وما زال لم يكشف بعد عن أوراقه كاملة، ولم يبُح بأسراره منذ لحظة ولادته الاحتجاجية إلى تبنيه واختطافه وصولاً إلى ابتلاعه والانقلاب عليه وتحويله إلى مفهوم مكثف استعادي لتقويض استقرار الدولة وفق شعاره الأثير الذي لم يحظ هو أيضاً بالكشف والفحص إلا لماماً «الشعب يريد إسقاط النظام» ليستحيل إلى تهشم النظام، وتمزّق أواصر الشعب وتردي أحواله، واستلاب الإرادة إلى مشاريع أممية آيديولوجية هدفها الانقضاض على مفهوم الدولة والمؤسسات الذي هو أبعد بكثير من مجرد مماحكة النظام أو معارضته.
أكثر من ثلاثة بلدان في منطقة الشرق الأوسط طالتها رياح التغيير ومسّتها نيران الربيع العربي وحرائقه، ورغم تعافي بعضها وعودة منطق الدولة وفضيلة الاستقرار ولو نسبياً وبشكل تدريجي، فإن تجاوز رضّات العلاقة بين مكوّنات وقوى وفاعلي السياسة والأنظمة لا يزال يحظى بسجالات حادّة رغم انحسار وكمون اللاعب الأول ومختطف لحظة الربيع «الإسلام السياسي»، لكن الإشكالية هو ما آلت إليه الأوضاع في بلدان أخرى من حروب أهلية مقنعة، وانقسامات عميقة رغم الموارد والإمكانات المالية الهائلة. والمفارقة تراجع أداء المؤسسات والاقتصاد في دول أخرى تعيش لحظة ما بعد الربيع بما يعني ذلك من تسنّم السلطة وفق العملية الديمقراطية من دون استرجاع لقوة المؤسسات وفاعليتها ولا منطق الدولة أو مركزيتها وروحها، حيث آلت الأمور إلى ما يمكن تسميته «ديمقراطية وتعددية شكلانية» مقنعة تخفي صراع أحزاب تسعى إلى مصالحها الخاصة ضمن شعارات استقطابية للجمهور العريض الذي لا يزال يعيش صدى الهتافات التي هزّت الشارع وجدانياً لكنها لم تتجاوز وقعها الشعوري النفسي والوجداني بعد أن تم اختطاف مفعولها بأسوأ ما يمكن تخيّله من استلاب للسلطة والتعددية وإرادة الشعوب نحو دولة الرفاه والاستقرار.
وبقدر ما كان درس الربيع العربي قاسياً ومؤلماً للدول التي عالجته هضماً أو تقيؤاً، إلا أنه أفاد على نحو هائل الدول التي تمسكت بفضيلة الاستقرار وعرفت معنى ومفهوم الدولة المتماسكة؛ دولة المؤسسات بغض النظر عن شكل وتمثلات النظام، حيث استطاع توفير الأمن للناس والاستثمار في المواطن والمزيد من مشاريع وإجراءات الحوكمة والرقمية أن تقفز بهذه الدول كدول الخليج وفي مقدمتهم التجربة السعودية رغم كل التحديات، إلى مصافّ الدول المتقدمة من حيث وضعية المأسسة وقدرتها على تقديم النفع والصالح العام والاستماع الجيد لرغبات وإلحاح مواطنيها وخلق حالة من المناعة الذاتية تجاه مشاريع الاستهداف التي ولدتها أنقاض الربيع العربي الذي لم يستثمر في الإنسان قدر أنه اشترى غضبه وقام بتسويقه لصالح أحزاب مؤدلجة نفعية لا تملك ولا تستطيع بناء دول حداثية صلبة قائمة على سيادة القانون وقوة أداء المؤسسات وأطر ومنظومات مفهوم الدولة.
إعلان الحداد على مشروع استهداف الدولة واستقرارها تعجّل ضار جداً، خصوصاً مع ولادة مشاريع أممية شرهة في المنطقة لتقويض الدول واستقرارها عبر إعادة تسويق مضامين وشعارت لحظة الربيع العربي، واليوم كلنا نشهد المزيد من تحالفات هشة متجددة بنيت على أنقاض «الربيع العربى»، يجمع فيما بينها البكاء على انهيار تجربة الربيع بما حملته من آمال عريضة وتصورات فانتازية عن عالم عربي وشرق أوسط جديد. السياسي المؤدلج غير راض على ما آلت إليه الأوضاع، ولديه أزمة حقيقية مع دول الاستقرار تعود إلى رغبته في ابتزاز أنظمتها السياسية عبر المطالبة المبتسرة بالإصلاحات السياسية ولو بدفع أثمان باهظة، كالتحالف مع التطرف وآيديولوجيا العنف.
هناك تحالف مشبوه بين الثائر السياسي المستلب من الإسلام السياسي وبين مشروع استهداف دول الاعتدال الذي يجمع تلك الخلطة غير المتجانسة، ويتم تمرير تلك التناقضات تحت شعار الخوف من عودة حكم العسكر والأنظمة القمعية وتراجع الحريات السياسية، في حين أن كل هذه المخاوف كانت حقائق وأرقاماً في ظل تجارب الحكم الفاشلة التي رغم شكلانيتها التعددية ليست أبعد من صوت الحزب المؤدلج الواحد النشاز عن دولته ومؤسساتها التي ترسّخت عبر عقود من الاستقرار المديد.
أفرزت ما سميت بـ«ثورات الربيع العربي» الكثير من الأوهام، لكنها الآن أصبحت تنتج مسلّمات من دون أن تتعرض للنقد أو الشك، ومن ذلك اعتبار أن الدول التي تحدث فيها الاحتجاجات الجماهيرية «ديكتاتورية الحشود» في مقابل صلف النظام المدفوع برمزية شخصية يترأس النظام حوله بعسكره ومؤسساته ومصالحه الاقتصادية، هذه الدول ليست ذات هدف ومصير موحد ومحدد، بمعنى أن ثمة ارتباطاً عضوياً فيما بينها، بحيث يتم الاستنتاج أو التنبؤ بأن فشل احتجاجات في بلد أو نجاحها سوف ينسحب على بقية التجارب.
من المهم جداً في قراءة المستقبل، بناءً على معطيات معينة، تجنب أي انحياز آيديولوجي، والانطلاق من المسلّمات والافتراضات المتفق عليها من مختلف اتجاهات البحث العلمي والفكري والعقائدي والتكنولوجي وفق الخطوط العريضة التي قذفتها الأعوام الماضية، منذ لحظة البوعزيزي وحتى صعود «تنظيم داعش» التي كانت أقرب إلى دورة مكتملة ابتدأت بالاحتجاجات الشعبية، وانتهت بتقويض استقرار عدد من الدول إلى أجل غير مسمى، ويعد باستحقاقات أخرى اقتصادية وثقافية واجتماعية لتزيد من عبء الملفات السياسية.
مستقبل المنطقة، رغم كل القراءات العاطفية: وجود تحديات سياسية كبرى وتكلس اجتماعي وتململ من تصاعد حالة الفقر ونقصان الفرص، إضافة إلى أزمات الهوية والبطالة وتحديات الأمن ما بعد الربيع العربي وصعود منطق الأصولية والعنف، مروراً بالفراغ الكبير الذي خلفته تحولات هائلة على مستوى المرجعيات الدينية والثقافية وتفكك بنى وأنماط التلقي والتأثير، والدخول في عصر فوضى المحتوى بما تقذفه أقانيم ومنصات الإنترنت والوسائط الجديدة من أسئلة عادة لا تفيد الإجراءات الاحترازية أو الأمنية من علاجها على المدى الطويل في ظل غياب محتوى بديل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقد على الربيع العربي عن الاستقرار ومنطق الدولة عقد على الربيع العربي عن الاستقرار ومنطق الدولة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريل يعترف بعجز الاتحاد الأوروبي عن بناء بنية أمنية جديدة
  مصر اليوم - بوريل يعترف بعجز الاتحاد الأوروبي عن بناء بنية أمنية جديدة

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم
  مصر اليوم - الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم

GMT 05:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 23:02 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي حاضرة في منافسات سينما ودراما 2025
  مصر اليوم - هيفاء وهبي حاضرة في منافسات سينما ودراما 2025

GMT 19:53 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

سقوط طائرة في كولومبيا ومقتل 7 من ركابها

GMT 17:57 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

شبح مورينيو يعود للظهور في مانشستر يونايتد

GMT 08:54 2019 الأحد ,10 شباط / فبراير

الأهلي يكشف أسباب أزمة المؤجلات

GMT 14:16 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

أداما تراوري يُبرز جدية ليونيل ميسي في التدريبات

GMT 09:59 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

طليق رانيا يوسف يوجّه رسالة لها بعد أزمة فستانها الفاضح

GMT 03:08 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد عبد الحفيظ يُعلن عن صفقات الأهلي الجديدة خلال أيام

GMT 04:18 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

تامر حسني يُرزق بطفله الثالث ويكشف عن اسمه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon