هل النخبة فى العالم العربى مريضة نفسياً، بمعنى المرض الذى يحتاج إلى تطبيب وعقاقير؟!
سؤال صعب ومؤلم، لكن واقع الحال وما نراه من هيستيريا فى الشوارع، وعنف لفظى على وسائل التواصل الاجتماعى، وشيوع الفكر الثأرى وطغيان الإعلام الأسود، وأمور أخرى، تجعل الذى ما زال يمتلك بقية باقية من العقل والصحة النفسية يرى أن «العقل الجماعى» فى عالمنا العربى مريض مريض مريض.
ما هذه القسوة المخيفة التى أصابت الناس؟
ما تفسير الرغبة الجامحة فى تصديق أى إساءة تنشر على الفور دون بذل أى مجهود للتأكد من مصداقيتها وعندما يثبت كذبها نشكك فى عملية تكذيب الأكاذيب؟!
ما هذا التوحش الذى أصاب نفوس البشر إلى الحد الذى جعلهم يشعرون «بلذة جنونية» ونشوة أكثر من نشوة «الجنس» فى إعادة نشر الفضائح وتوزيع الشائعات بأوسع نطاق على وسائل التواصل الاجتماعى وكأنه نوع من «الجهاد الإعلامى المقدس»؟
أين مسئولية «السلطان العادل» تجاه الناس؟ وأين حرص الحاكم على شئون الرعية؟ وأين خدمة المسئول للمواطنين؟!
أين قلوب الناس أو أين مشاعرهم الإنسانية، وأين التعاطف والمشاركة الوجدانية والشفقة؟
موظف قطار يطلب من شاب إلقاء نفسه من القطار المسرع لعدم قدرة الشاب على دفع التذكرة بينما مجموع الركاب يشاهدون المشهد فى سلبية ولا يُقدِم أحدهم على «توفير ثمن البطاقة من مجموع الركاب»! والأكثر قسوة أن معظم الركاب انشغلوا بتصوير الواقعة على الموبايل أكثر من الانشغال بتقديم يد العون للشاب الفقير!!
فتاة يتم التحرش بها جهاراً نهاراً أمام دور عرض سينمائى، فيقوم الشباب -المفروض أنهم ذكور- بتسجيل كامل عملية التحرش دون القيام بواجبهم الإنسانى فى إنقاذ الفتاة من بين أيدى المتحرشين؟!
فى دولة عربية أخرى يدفع أحدهم رشوة للحصول على رقم فردى مميز للوحة المعدنية لسيارته تصل إلى مائة ألف دولار، بينما تبيع امرأة فى ذات المدينة وليدها بثمانمائة دولار لأنها لا تملك ثمن حليبه اليومى!
وأكثر ما يصيب الإنسان بزلزال نفسى هو فقدان المجتمعات العربية سمة عظيمة من سمات الرقى الإنسانى وهى صفة «التسامح» الذى قامت عليه كل الأديان، ويعد ركيزة أساسية لكل المبادئ والفلسفات الإنسانية والأخلاقية.
أصبحنا لا نغفر، وإذا غفرنا لا ننسى وإذا ادعينا النسيان والمغفرة لا نعطى المخطئ فرصة ثانية لتصحيح الخطأ وإثبات نفسه.
السباب، القذف، الإساءة، التشهير، الاغتيال المعنوى، الافتراء، فقدان التسامح، التعصب، العنصرية، التمييز بكل أشكاله، الطائفية، المذهبية العنصرية، المناطقية، الطبقية... كل ذلك وأكثر يندرج تحت بند التشخيص المرضى للحالة التى تعيشها النخبة فى عالمنا العربى.
لذلك كله نقول ونصرخ ليل نهار إن أى إصلاح فى العمارة والبنيان، أى فى الحجر، لن يعطى آثاره الإيجابية إذا كانت عقول البشر متخلفة ونفوسهم مريضة، وقلوبهم لا تعرف معنى التسامح.