بقلم: د. محمود خليل
كان «مبارك» حريصاً على عدم الاقتراب من مسألة الدعم، بعد أن استوعب خطورة فتح هذا الملف عقب تجربة 18 و19 يناير 1977، لكنه انطلق بقدر كامل من الأريحية فيما يتعلق بتنفيذ برنامج الخصخصة بدءاً من العام 1991، فتم إنشاء وزارة لـ«قطاع الأعمال العام» جمعت تحت مظلتها كل شركات ومؤسسات القطاع العام لتتولى إعادة الهيكلة الإدارية والمالية لهذه الشركات وتدريب كوادرها البشرية والارتقاء بمستواها. فى البداية بدا التوجه محموداً، وكانت عمليات الخصخصة التى تخضع لها بعض الشركات تتم بشكل محدود ومدروس وبأسعار تتناسب مع قيمتها السوقية، لكن الأمور اختلفت بعد ذلك كل الاختلاف، وعلى وجه التحديد عندما تولى المرحوم الدكتور عاطف عبيد مهام وزارة قطاع الأعمال، فقد بيعت مئات المشروعات بأقل بكثير من قيمتها السوقية (كما يقدر عدد من الخبراء)، وتسارعت عمليات البيع بصورة غير مسبوقة، وترتب على ذلك إحالة آلاف العمال إلى المعاش المبكر، لينضموا إلى طوابير العاطلين.
أثير لغط كثير حول صفقات بيع بعض المشروعات، وأحيل بعضها إلى ساحات المحاكم، وأثبتت الأحكام القضائية، بعد سنين من البيع، أن المشروعات أُهدرت بثمن بخس لا يتناسب مع قيمتها السوقية. اتهامات عديدة وجّهها خبراء ومتخصصون إلى مهندسى صفقات البيع، ونال الدكتور عاطف عبيد (وزير قطاع الأعمال ثم رئيس الوزراء فيما بعد) النصيب الأكبر منها، لكن ذلك لا يمنع من أن ما دخل خزينة الدولة من بيع مئات المشروعات مكّن «مبارك» من تطوير العديد من مشروعات البنية التحتية، خصوصاً داخل القاهرة، فتطورت خدمات الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحى، ووجد الأداهم أن ثمة تحسناً فى مستوى الخدمات، وكان أقرب مثل يأتى على بالهم فى هذا السياق خدمة التليفونات، فقد كان الحصول على خط تليفون «أرضى» أشبه بالحصول على كنز من كنوز ألف ليلة وليلة. كان الراغب فى التليفون يحجز ويأخذ دوراً ثم يمكث فى الانتظار سنوات طويلة، وقد يقابل ربه قبل أن يدخل إليه الخط. بعد التطويرات التى شهدتها التسعينات بدأت الأمور تختلف وتمددت الخطوط فى زمن قياسى، وأصبحت كل السلع التموينية متوفرة فى الأسواق. أضف إلى ذلك بالطبع التطويرات التى شهدتها شبكات الطرق وبناء المدن الجديدة، وغير ذلك من إنجازات وضعها «الأداهم» فى سجل رضائهم عن «مبارك».
لكن فى المقابل من ذلك ارتفعت معدلات التضخم وزادت الأسعار بصورة غير مسبوقة وأصبح الحصول على متطلبات الحياة من الصعوبة بمكان. وتوازى مع ذلك ارتفاع شبكة التطلعات لدى الأسر الأدهمية بسبب الجديد الذى يتوافر كل يوم فى أسواق السيارات والسلع الكهربائية والسلع الغذائية. وفى منتصف التسعينات اقتحم المحمول حياة الأداهم وأصبح حلم كل «أدهم» -صغيراً كان أو كبيراً، غنياً أو فقيراً- أن يقتنى هذا الاختراع الجديد المثير، لكن المشكلة أن أغلب الراغبين فى السلعة كانوا يفتشون فى جيوبهم فلا يجدون شيئاً. وأمام الرغبة المحبطة بقلة الحيلة سلك «الأداهم» مسالك مختلفة لحل مشاكلهم الاقتصادية، بعضها شريف، وبعضها لطيف، وبعضها مخيف!