بقلم :دينا عبدالفتاح
العلم هو العنصر المشترك فى تقدم كل المجتمعات على مر التاريخ، وفى بناء جميع الحضارات التى يفخر بها الإنسان فى أقصى الأرض وأدناها، لذا سعدت للغاية عندما علمت بأن الرئيس عبدالفتاح السيسى كلف الجهات المعنية بإقامة عيد للعلم، وأكد حضوره لهذه الاحتفالية التى تُقام اليوم بهدف تكريم العلماء والباحثين، وطلاب العلم فى مختلف المجالات.
هنا ازداد إيمانى بأننا نسير على الطريق الصحيح، وفى أسهل وأسرع المسارات المؤدية للتقدم، لأنه بدون العلم لن تقوم الصناعة، ولن ينهض البحث والابتكار، ولن تتحرك العقول نحو الأفكار الريادية القادرة على إعطاء دفعات كبيرة لاقتصاد الدولة وتمكينه من تحقيق معدلات نمو قياسية.
وبدون العلم ستظل مؤسسات الدولة غير قادرة على التأقلم مع المتغيرات التكنولوجية، ولن تعدل من أسلوبها فى التعامل مع المشكلات والجماهير، وسنظل نفقد رصيداً كبيراً من طاقاتنا فى أداء مهام تقليدية يمكن اختزال المئات منها فى وظائف محددة، تفوض الآلة للقيام بها وليس البشر!
وبهذه المناسبة أتصور أنه يمكننى توجيه بعض الرسائل التى ستدعم -من وجهة نظرى- أداء المنظومة العلمية فى مصر، وستعزز من مساهمتها فى دعم الاقتصاد وتحسين جميع مؤشراته:
أولاً: لا بد من توسيع دور البحث العلمى فى العملية الاقتصادية من خلال تعزيز الإنفاق على هذه المنظومة، وعلى الرغم من تواصل النمو فى حجم مخصصات الدولة للبحث العلمى والتطوير وزيادته على 20 مليار جنيه سنوياً، إلا أن النسبة إلى إجمالى الناتج المحلى ما زالت ضعيفة ولا تتخطى 1% من الناتج مقابل نسبة تدور حول 2% فى الدول المتقدمة، مع الأخذ فى الاعتبار الفارق الكبير فى حجم الناتج بين مصر وهذه البلدان، وهو ما يعطى مؤشراً لحجم النفقات التى تتحملها الدول المتقدمة فى سبيل البحث العلمى؛ لإيمانها الكامل بأن العلم هو الحامى والضامن الأول للتقدم والازدهار الاقتصادى والاجتماعى.
ثانياً: لا بد من الربط المكثف بين مخرجات البحث العلمى واحتياجات التنمية الاقتصادية فى مصر، وتوظيف الأولى فى خدمة الثانية، وتوجيه مجالات البحث للمجالات التى تصب بشكل مباشر فى نهضة الصناعة والتكنولوجيا والخدمات وتوطين مشروعات عملاقة فى مجالات واعدة، وهنا لا بد أن نفرق بين العلم والتقنية، فالعلم يعنى مجهوداً منظماً يستهدف تحليل ظاهرة معينة أو ابتكار شىء ما، أما التقنية فتعنى توظيف العلم فى تغيير الواقع من خلال أدوات مبتكرة، وبالتالى نحن فى حاجة إلى المزيد من التقنيات المبنية على أسس علمية منضبطة ونتائج تتسم بالدقة الشديدة.
ثالثاً: لا بد من توسيع دور المرأة فى منظومة البحث العلمى، وتشجيعها على البحوث المختلفة، وخوضها مختلف المسابقات العلمية، فعلى الرغم من أن السيدات يمثلن 50% تقريباً من عدد الباحثين فى مصر، إلا أن عدد الحاصلات منهن على جوائز علمية يمثلن 10% من مجموع الحاصلين عليها مقابل 90% للرجال، وهذه النسبة تعطى مؤشراً لضرورة تشجيع المرأة على الدخول فى هذه المسابقات، ونشر أبحاثها وتمهيد الطريق لتحقيق استفادة مثلى للاقتصاد منها.
رابعاً: لا بد أن نبنى ثقافة جديدة لدى الجيل الجديد، والتلاميذ فى مراحل التعليم الأساسى، بحيث تقوم هذه الثقافة على التفكير والتحليل وبناء الأهداف والوصول إليها، وأن بداية التعلم هو الاستماع والفهم، لأننا كمصريين اعتدنا على الاستماع من أجل الرد، وليس من أجل الفهم والتعلم، وهذه الإشكالية نعانى منها جميعاً فى حياتنا اليومية إلا نسبة أعتقد أنها قليلة.
خامساً: أعتقد أن هذه المرحلة باتت مناسبة للغاية من أجل تغيير مناهج التعليم بمختلف مراحله، بحيث تتواكب مع المناهج التى يتم تدريسها عالمياً فى مختلف المجالات، حتى لا ننفصل عن العالم ونُدرّس لأبنائنا فى عام 2019 الذى شهد انطلاق الثورة الصناعية الرابعة، مفاهيم كفَّ العالم عن الحديث عنها لتقادمها، وارتباطها بظواهر انقضت منذ عشرات السنين فى ضوء التطور التكنولوجى الهائل.
إذا استطعنا تنفيذ ولو جزء من هذه المتطلبات أعتقد أن مردود التعليم والبحث العلمى سيختلف بشكل كبير، وسيتعاظم الاقتصاد، وسينمو وفق المتغيرات الجديدة التى يعمل من أجل تطويرها العالم أجمع، وسنحقق الحلم المصرى فى التقدم والازدهار.. ونحن على الطريق الصحيح بإذن الله.