توقيت القاهرة المحلي 15:15:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تأملات «النبي» وأحزانه

  مصر اليوم -

تأملات «النبي» وأحزانه

بقلم - د. محمود خليل

لا تتوافر معلومات متماسكة حول فترة الصبا أو شباب النبى صلى الله عليه وسلم.. كل ما هو متاح من معلومات فى هذا السياق يؤكد أن محمداً كان شاباً مستقيماً أو قُل نموذجاً للاستقامة فى مجتمع كان أكثر الشباب فيه ميالين إلى متع الدنيا، وعبثية الدين. تستطيع أن تستدل على ذلك من مراجعة ما ورد لدى «ابن كثير» فى كتابه «البداية والنهاية» عن شباب عمر بن الخطاب، وهو يحكى قصة إسلامه. فهو يشير إلى أن «عمر» حكى أنه خرج ذات يوم ليشرب الخمر مع مجموعة من أصدقائه، فلم يجد منهم أحداً، فقرر الذهاب إلى خمارة لعله يجد غايته فيها، ذهب ولم يجد عند الخمار خمراً، قرر لحظتها الذهاب إلى الكعبة والطواف حولها، فطاف سبعاً أو سبعين -لم يحدد- وإذا به يرى النبى صلى الله عليه وسلم قائماً يصلى.

شباب مكة حينذاك كان أكثر همهم شرب الخمر والاجتماع فى مجالس الأنس واللهو، فإذا لم يجدوا ذهبوا إلى الكعبة وطافوا بها، كما فعل عمر بن الخطاب، حين لم يجد صحبته. إنها النظرة العبثية إلى الحياة على اعتبار أنها حالة من حالات اللهو، وكذلك النظرة العبثية إلى الدين، تعتبر العبادات نوعاً من التسلية أو الإلهاء أو التتويه عن الواقع.

لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم كذلك، بل اشتهر بين قومه فى شبابه باستقامة أخلاقه، إلى حد أن لقبوه بـ«الصادق الأمين»، بل واحتكم إليه كبارهم فى بعض المواقف، لما هو مشهود له من الحكمة. والمؤكد أنهم كوَّنوا عنه هذا التصور بعد خبرة وتجربة، أضف إلى ذلك ما لمسوه فيه من جدية وجدت ترجمتها فى اعتنائه بالعمل. فلم يكن النبى من أصحاب الثروات أو الوارثين الذين يغنيهم مالهم عن العمل والسعى.

من المعلوم أن النبى عمل فى صباه برعى الغنم، وفى شبابه اشتغل بالتجارة، فشارك مع عدد من الشباب الجادين من أمثاله فى تجارة السيدة خديجة، وقد تمكن من اكتساب مكانة أكبر لدى السيدة الثرية، بسبب ما أثبته من كفاءة وإخلاص وأمانة فى العمل.

كلتا الحرفتين اللتين عمل بهما النبى فى صباه وشبابه هيَّأته لأن يصبح شخصية متأملة، تطيل النظر والتفكير فى الواقع من حولها، وفيما وراء هذا الواقع، تنظر إلى الأرض وتتابع أحوال أهلها، وتشرئب بعنقها إلى السماء سائلة الهدى واليقين، وأكثر ما يورثه التأمل فى النفس هو الحزن النبيل على أحوال المحيطين بالشخص.

انظر إلى هند بن أبى هالة -الذى رباه النبى- كيف يصفه صلى الله عليه وسلم قائلاً: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة، لا يتكلم فى غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول ولا تقصير».

الحزن خصلة من خصال الشخصية المتأملة، ومنذ شبابه صلى الله عليه وسلم كان كثير التأمل، وكان يخلو إلى نفسه بالأيام -حتى قبل البعثة- داخل غار حراء، يفكر فى شأن العالم من حوله. كان طويل التفكير فى الأمور، لذلك يسجل «هند» ملاحظة «ليست له راحة»، فطول التفكير يرهق صاحبه، ويجعله زاهداً فى الحديث من غير حاجة. وكان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم اعتمد على اللغة المكثفة والجمل القصيرة العاجلة التى تنقل عظيم المعلومات فى أقل عدد من الكلمات. كان يتحدث -كما يصف هند- بجوامع الكلم، ويعرف كيف يدقق فى استخدام اللغة بشكل يعبر عن فكرته بشكل واضح ومستقيم، دون تزيد وإسهاب، أو اختزال يخل بالمعنى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات «النبي» وأحزانه تأملات «النبي» وأحزانه



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 11:41 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ميتسوبيشي تعلن طرح "إي إس إكس" 2020 أيلول المقبل

GMT 07:09 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

معرض بريطاني فوتغرافي للهاربين من نار النازية

GMT 23:36 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع بنسبة 41ر0 %

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

رنا سماحة تستعد لطرح أحدث أغانيها "مكسورة"

GMT 22:32 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

المخرج كريم اسماعيل يوقع عقد إخراج فيلم "الشاطر"

GMT 22:29 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ابنة هيفا وهبي وحفيدتها يشعلان مواقع التواصل بمقطع فيديو

GMT 20:12 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

أجييري يؤكد أن علاقته مع محمد صلاح "استثنائية"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon