بقلم: خولة مطر
بعضها قد يختفى عند حافة الذاكرة ربما بإرادة صاحبه أو باللاوعى لديه أو لديها، من قال إن الأيام تنسيك جراحك؟ ربما بعضهم لا يتوقف عندها يقذفها بعيدا كما تبعد حبة المطر عن معطفك. وآخرون لا يمر يوم دون أن يتذكروها رغم محاولاتهم المستميتة لنسيانها أو رميها فى الجزء المظلم من الدماغ.. تكثر الجراح فى زمن النفاق، تغوص فى أعماق باطن الجسد وأحشائه، تتوغل تدريجيا لتنقض على أحشائه أو أجزاء الجسد الأكثر ضعفا أليست الأسماك الكبيرة تأكل الصغيرة أو أليس البقاء للأقوى. حتى فى أعضاء الجسد هى الأخرى كذلك تعيش معنا كل سقوطنا وانحطاطنا وربما نرجسيتنا فى الكثير من الأحيان وبعض حسرتنا وحزننا على ما كان وأصبح..
***
والجراح ليست كلها مرتبطة بعلاقة كانت أو حب لم يكتمل أو انقضت عليه أفكار المجتمع وثقافة إما جاهلية أو استهلاكية بحتة عندما تحولت حتى العلاقات والصداقات العميقة إلى شىء من العرض والطلب و«شيلنى واشيلك».. لا لا ليست الحياة اليوم كلها قاتمة بهذا التصور، طبعا ليست كلها هكذا ولكن أكثرها حتما لا يبعد كثيرا عن تلك الصور المتكررة لأشكال متنوعة من النفاق العام..
***
بعضهم ينافق بعضهم لمصلحة ما أو حتى للبقاء فى وظيفة أو علاقة عائلية أو حتى حب.. ذاك الذى تزوجها ليرتقى فى وظيفته عبر أكتاف والدها وما إن حصل على مراده ما كان منه إلا أن رمى الزوجة والأولاد وهى أيضا تلك التى تبحث عن حياة تشبه ما تبثه المحطات التلفزيونية المتخصصة فى الطبقة الأرستقراطية أو «محدثى النعمة» وهم كثر.. كلهم، بل كلنا نتشبه بهم حتى اصطف البعض لساعات ليقتنوا حذاء الكرداشين بسعر يضاهى ثلاثة أضعاف سعره الحقيقى لكونه مصنعا فى تلك الورشات المظلمة لعمالة تنهكها العتمة ويأكل جسدها الفقر ولا خيار أمامها سوى المضى كل يوم فى ساعات الصباح الأولى لتلك الورشة وتمر الساعات الطويلة وهى أو هو يقومون بتصنيع كل البضائع التى تتحول إلى ماركات عالمية فيتحولون هم فجأة إلى متفرجين على تلك التى بعرقهم أصبحت موضة حديثة..
***
هو الآخر نفاق اجتماعى عندما يتحول بعضهم لفعل الخير والتبرع للاجئين وخاصة السوريين وهم أو هن يصرفن فى اليوم على ملابس وشنط ومواد استهلاكية ما يمكن أن يطعم كثيرا من الأسر لمدة شهر سواء فى سوريا المنكوبة أو فى كل البقاع العربية التى تئن من الجوع حتى خرج أبناؤها ليحرقوا جنسياتهم وأوراقهم الثبوتية تعبيرا على أنه لا يشرفهم أن ينتموا لوطن لا يحترم البسطاء من ناسه.. لا نستطيع أن نتحدث عن المواطنة فهى بعيدة عنا وتبدو كلما أكثروا منها فى طبخات الصحافة والإعلام اليومى، ما لها إلا أن تفسد اللحظات المتبقية من اليوم لنا، لأن كل أيامنا لهم، نعمل من أجلهم، نبنى لهم، نصنع لهم، نمارس النفاق اليومى لنبقى بالقرب منهم فلا تنقطع لقمة العيش المغمسة بالأوجاع والذل..
***
لا كرامة لنبى فى وطنه قالوا، واليوم لا كرامة لمواطن عربى على أرض لم يعد يعرفها رغم أنها كانت عشقه أيام ما كان الوطن ليس حقيبة! أما الآن فليت درويش يعود ليعرف أن الأوطان لم تعد سوى حقائب سفر من إنتاج الصين واستهلاك كل العالم..
***
يحمل الكثيرون وخاصة من الشباب حقائبهم وبعض الصور والذكريات التى تعبق بها رئتهم حتى رائحة زهرة البرتقال فى الموسم والزعتر عند باب المنزل وربطة النعناع التى نعطر بها كوب الشاى المتبقى لنا.. فلا شراب الورد ولا التوت ولا المشروبات الحديثة التى تساهم فى تنظيف الجسد من المخلفات يعرفها الكثيرون أو سمعوا بها.. بل إن بعضهم يتصور أن الكابتشينو هو قمر آخر لم يمر بسمائهم بل بقى عند الطليان الذين العتب كله عليهم كما يقول الشوام!
***
أصبح من المفيد أن يضيف وزراء التربية والتعليم، إذا وجدوا وقتا بين الجرى لمحاباة الوزير والرئيس والأمير، عليهم أن يضيفوا مادة أساسية لمستقبل أجيالنا القادمة فبدونها لا يمكن لهم أن يضعوا الخبز على موائدهم ألا وهو النفاق الذى دفع بالكثيرين إلى ركوب الموج بحثا عن شىء من الكرامة..