توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما أنصتت الدنيا للنبى المودّع

  مصر اليوم -

عندما أنصتت الدنيا للنبى المودّع

بقلم: د. ناجح إبراهيم

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك، وقف الحجيج يرددونها جميعاً وتهتف بها قلوبهم ومشاعرهم وضمائرهم، لا فرق بين جزائرى أو مصرى أو سودانى، ولا أسود ولا أبيض ولا أصفر، لا فرق بين مسلم عربى أو أمريكى أو أوروبى أو آسيوى أو أفريقى أو هندى أو باكستانى.

كلهم مسلمون، يعبدون إلهاً واحداً، ويتوجهون إلى بيت واحد، وقبلة واحدة، ويلبسون ملابس واحدة، ويؤدون مناسك واحدة، يرفعون راية واحدة هى راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.

يقفون سوياً بعرفات فى وقت واحد، ويغادرونها فى وقت واحد، ويحلقون فى يوم واحد، ويرمون الجمرات بطريقة واحدة.

لا يرفعون أى راية سوى راية التوحيد والعبودية الحقّة لله الواحد القهار، لا يتعصبون لبلادهم ولا أوطانهم وأجناسهم، ولا ألوانهم أو وظائفهم، فضلاً عن أن يتعصبوا لفريق كروى لا يخدم وطناً ولا يحرر أرضاً، ولا يحقق تقدماً اقتصادياً أو سياسياً أو حضارياً، مهما كانت انتصاراته فى المستطيل الأخضر، فهو خارج هذا المستطيل لا يساوى شيئاً، بل قد يمثل عبئاً مالياً واقتصادياً على الجميع، وشغلاً لهم عن مهماتهم العظمى، وآمالهم الكبرى فى الدين والحياة ولا تعصب لجماعة أو فصيل على حساب الإسلام والأوطان، فالدين والوطن مقدّمان على الجماعات. والجماعات، وأيضاً الحكومات، تزول وتبقى الأوطان فلا دوران حول جماعة ولا تقديم لمصالحها على مصالح الأوطان العليا.

وقف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى مثل هذا اليوم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان على ناقته القصواء، وقال: «استنصت الناس يا جرير» فأنصت له كل شىء، أنصتت له الدنيا كلها، الرجال والنساء والحجر والمدر والأرض والسماء، أنصتوا جميعاً لكلمات رسول الله «صلى الله عليه وسلم» المودعة للدنيا كلها، والتى سيلخص فيها رسالته ويودع فيها أصحابه، ويستودع الرسالة والأمانة للأجيال القادمة.

إنه اليوم يلمّح بقوة بالرحيل عن الدنيا بعد أن ملأها خيراً وبراً، إنه يقول لهم: «أيها الناس اسمعوا قولى فإنى لا أدرى، لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا بهذا الموقف أبداً» إنه موقف مهيب، لقد أقبلت إليه يومها كل قبائل العرب، واجتمع له كل أصحابه تقريباً السابقين واللاحقين، جاء إليه العرب جميعاً منقادين طائعين بعد أن عصوه طويلاً، جاءوا إليه بعد أن نزعوا عن أنفسهم عصبية الجاهلية، ووجهوا ولاءهم لله ولرسوله وللمؤمنين، وقدموا الإسلام على كل ما سواه، قدموه على القبيلة والعشيرة وكل العصبيات الممقوتة، بل قدموه على الأهل والولد.

ها هو النبى العظيم «صلى الله عليه وسلم» يرى اليوم ثمرة كفاحه الطويل، ويرى اليوم حصاد بذله وعطائه الذى استمر طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، ونتيجة صبره وحلمه وجهاده ودعوته وتعليمه وتربيته، يراها فى تلك الجموع المؤمنة الغفيرة التى لم تجتمع من قبل لنبى قبله، فقد كانوا مد البصر عن يمينه وشماله وأمامه وخلفه.

رأى من خلالهم الأجيال المسلمة القادمة، كما رأى من خلالهم دولة الإسلام الوليدة والتى دانت لها العرب، وستدين لها فى الغد القريب بلاد الروم وفارس بل والدنيا كلها.

إنها لحظات مهيبة جميلة يشتاق إليها كل الدعاة إلى الله، حينما يشهدون لحظة الحصاد لثمرهم إذا أينع، وقد يشهد بعضهم هذه اللحظة، ولكن أكثرهم لا يشهدها فى الدنيا، ليشهدها فى الآخرة.

تحدث رسول الله يومها فى حجة الوداع عن كل القضايا المهمة التى ستحتاج لها أمته، تحدث عن المرأة وحقوقها وأوصى بها خيراً، وتحدث عن حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم فى نبرة حاسمة واضحة «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، فى شهركم هذا، فى بلدكم هذا»، ولكن من يتذكر هذا النداء العظيم، فمن ذا الذى يلتزم اليوم بهذا الأمر الصارم المؤكد الذى استفتح به رسول الله «صلى الله عليه وسلم» خطبته، وهل سمعه الذى يقتل أباه أو أمه أو شقيقه أو أخاه فى الإسلام أو فى الأوطان، وهل سمعه الذين يضعون المتفجرات العمياء فى الأسواق ومحطات المترو أو يفجرون المستشفيات بمن فيها فيزيدوهم رهقاً ومرضاً أو يمزقونهم تمزيقاً دون أن يتذكروا لحظة هذا التوجيه النبوى العظيم.

كل عام وأنتم بخير.. وتقبل الله منا ومنكم.. وجمعنا الله على محبة الأسرة الإبراهيمية العظيمة التى تفرعت منها شجرة النبوة والرسالات الكبرى، وعلى رأسها رسالة موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما أنصتت الدنيا للنبى المودّع عندما أنصتت الدنيا للنبى المودّع



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon