المعدن الأصيل للمصريين اتضح أنه لا يزال بخير إلى حد كبير، رغم كل الظواهر السلبية التى تحيط بالمجتمع منذ سنوات طويلة.
بطولة الأمم الإفريقية المقامة حاليا فى مصر، ورغم حزن المصريين لخروج منتخبهم مبكرا من دور الـ١٦، لكنها كشفت أنهم لا يزالون يتمتعون بالطيبة والشهامة والجدعنة والكرم خصوصا مع أشقائهم العرب.
نعرف جميعا أن التعصب الكروى تسبب فى خصومات وعداوات وأزمات كبيرة بين مصر وبعض الدول العربية، خصوصا فى بلدان المغرب العربى.
ونتذكر جميعا كيف أن هذا التعصب تسبب فى أزمة كبيرة بين مصر والجزائر فى نوفمبر ٢٠٠٩ عقب المباراة الشهيرة بينهما فى مدينة أم درمان السودانية، هذه الأزمة تركت ندوبا كبيرة، وآثارا ضارة، خصوصا أنها كانت بين الشعبين وليس بين الحكومتين، وقتها لعب الإعلام الرياضى دورا شديد السلبية فى تأجيج المشاعر الشعبية.
ونتذكر أيضا عشرات المناوشات والتحرشات الإعلامية بين مصر وكل من تونس والمغرب للدرجة التى جعلت أى لقاء بين فريق مصر وفريق آخر من بلدان المغرب العربى يبدو وكأنه معركة حربية، تسيل فيها الدماء أحيانا.
المقدمة السابقة كانت مهمة جدا لتوضيح أهمية ما حدث فى الأيام الماضية، لمحو الصور السابقة بنسبة كبيرة.
ثلاثة مشاهد رئيسية كشفت عن المعدن الأصيل للمصريين البسطاء..
المشهد الأول فيديو سجله شاب مغربى لعينة عشوائية من عشرات المصريين، أخبر الشاب المصريين أنه فقد كل ما يملك خلال حضوره مباريات منتخبه الوطنى، ويعرض عليهم أن يساعدوه بأى صورة من الصور، رد فعل المصريين كان تقريبا نسخة واحدة، جميعهم عرضوا عليه المساعدة بكل أشكالها من أول المساعدة فى توصيله إلى سفارة بلاده أو الاتصال بأى شخص يعرفه مرورا بعرض المساعدة المالية وتناول الطعام، نهاية، بالإلحاح عليه للمبيت معهم فى بيوتهم، حتى تنفرج أزمته.
الشاب المغربى وضع الفيديو على صفحته ونال مشاهدات كثيرة وتعليقات إيجابية متنوعة، تمثل أفضل دليل على شهامة المصريين رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يعانى منها الملايين منهم.
المشهد الثانى هو تدفق الكثير من الجماهير المصرية عموما، وجماهير نادى الزمالك خصوصا لتشجيع المنتخب التونسى فى مباراته المهمة ضد منتخب مدغشقر، فرجانى ساسى نجم المنتخب التونسى، والمحترف فى صفوف نادى الزمالك، ناشد جماهير الزمالك والمصريين عموما، فى المباراة قبل الأخيرة بالحضور لتشجيع منتخب تونس، الجماهير كانت كثيرة فعلا، وكان ملحوظا كثرة المشجعين الذين ارتدوا فانلة الزمالك.
المشهد الثالث هو إقبال كثير من المصريين على تشجيع منتخب الجزائر فى مبارياته المختلفة وآخرها لقاؤه مساء الخميس مع منتخب ساحل العاج.
أعرف زملاء وأصدقاء مصريين كثيرين حجزوا تذاكر خصيصا لتشجيع منتخب الجزائر، وأعرف مشجعا مصريا منعه الأمن من دخول المدرج المخصص للجزائريين، لأنه لم يكن يرتدى فانلة المنتخب الجزائرى، وسمح لمصرى آخر بالدخول للمدرج لأنه يرتدى فانلة المنتخب الجزائرى!!.
المشجع الأول ظل يناشد الأمن الدخول، لكنه فشل، حتى تمكن أخيرا من الوصول للمدرج وتشجيع الفريق الشقيق، فى حين أن حالة أخرى لمشجع مصرى فشل فى الوصول للمدرج المخصص للأشقاء الجزائريين.
هذه المشاهد الثلاثة هى الجانب المضىء فى البطولة الإفريقية التى ستنتهى فى ١٩ يوليو الحالى، ومثلما انتقدنا كثيرا الجوانب السلبية المتمثلة فى الشحن والتعصب الممقوت، فوجب علينا أن نشيد بالمشاهد الإيجابية التى تكشف عن فشل الرهان على بث الفرقة والاختلاف بين الجماهير العربية.
طبعا الصورة، ليست شديدة الوردية، وهناك مشاهد صعبة وسيئة قليلة، لكن ما حدث فى الملاعب المصرية مع المنتخبات المغاربية الثلاثة، دليل على أن غالبية المصريين يتصرفون فى حياتهم العادية بصورة حضارية، من تلقاء أنفسهم، وأن المعدن الأصيل للمصريين لا يزال بخير.