أنجزت الدولة المصرية، على مدار السنوات الخمس الماضية، كل ما يحتاج إليه الاستثمار، سواء كان محلياً أو أجنبياً، صغيراً أو ضخماً، صناعياً أو خدمياً أو مالياً.
ويبقى الآن تحصيل عوائد هذه الإنجازات معبراً عن ذلك بنمو مطرد فى حركة الاستثمارات المنفذة فى السوق المصرى، سواء كانت استثمارات محلية أو وافدة من الخارج.
فى تقديرى أن السنوات الخمس الماضية كانت مرحلة بحد ذاتها تعبر عن تجهيز الاقتصاد لاستقبال الاستثمار، من خلال ضخ استثمارات ضخمة بمليارات الدولارات فى البنية التحتية من طرق ومرافق وطاقة وغيرها، وتشييد مدن جديدة لتتوافق مع الانطلاقة التنموية للدولة على غرار العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة وغيرهما.
أما السنوات المقبلة، وبالتحديد حتى 2021، فتمثل مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها مرحلة الاستثمار الكثيف، والإنتاج الضخم، وبالتالى فكل أجهزة الدولة مطالبة بالتخطيط لهذا الاستثمار بشكل متناغم ومتكامل، بمعنى تحقيق التكامل فى كافة السياسات الاقتصادية المطبقة فى الدولة من سياسات استثمار وسياسات مالية ونقدية وسياسات تجارية، نحو تحقيق هدف واحد فقط هو «الاستثمار الكثيف».
والمنطق فى ذلك، هو منطق اقتصادى بسيط للغاية، يُشير إلى أن القفزات التنموية التى حققتها الدولة على مدار السنوات الماضية والوصول بمعدل النمو الاقتصادى إلى 5.6% فى العام المالى الماضى لنصبح واحدة من أسرع الدول نمواً فى الشرق الأوسط، تحققت بدافع من الإنفاق الاستثمارى الضخم فى معادلة الناتج القومى، وكانت الدولة مصدر جزء كبير من هذا الإنفاق، وكانت مشروعات البنية التحتية هى المحرك الرئيسى، وباقى المشروعات القومية التى أطلقتها الدولة.
مساهمة الإنتاج الصناعى والإنتاج الخدمى فى الاقتصاد وفى النمو بالتحديد، كانت محدودة بعض الشىء، وبما أن الدولة مقبلة حالياً على خطة تنموية شاملة تستهدف رفع هذا النمو إلى 6% خلال عامين وإلى 7% فى متوسط سنوات رؤية 2030، فنحن مطالبون بزيادة كبيرة للغاية فى الإنتاج الصناعى والخدمى، حتى يتم دفع النمو الاقتصادى، مع التأكيد على عدم قدرة الدولة وحدها على دفع النمو من خلال إنفاق المليارات على مشروعات البنية التحتية وغيرها.
وهنا يأتى دور مشترك بين الدولة والقطاع الخاص، لا بد أن تهيئ الدولة بكامل أجهزتها الاقتصاد لاستقبال الاستثمارات الخاصة، ولا بد أن تقوم الأجهزة التخطيطية فيها بتوجيه هذا الاستثمار إلى القطاعات الإنتاجية التى نتمتع فيها بميزة تنافسية عالية، حتى نستطيع الخروج فيها من السوق المحلى الضيق إلى السوق العالمى الواسع.
يأتى بعد ذلك دور القطاع الخاص نفسه، ممثلاً فى فئتين؛ الفئة الأولى هى فئة المستثمرين الحاليين، خاصة المستثمرين الكبار فى السوق أصحاب المليارات، فهم مطالبون الآن بتعظيم استثماراتهم ومساندة خطط الدولة، واستغلال الفرص الاستثمارية المتاحة أمامهم، فضلاً عن استغلال التراجع الحالى والمتوقع فى المستقبل لأسعار الفائدة فى تنفيذ توسعاتهم الاستثمارية المخططة سابقاً أو مشروعاتهم الجديدة.
الفئة الثانية مرتبطة بفئة الشباب، أو من يطلق عليهم «المستثمرون الجدد»، نرى جميعاً أن الدولة هيأت مناخ الاستثمار وريادة الأعمال بشكل جيد، ويبقى عنصران مهمان؛ الأول المبادرة من قبَل الشباب أنفسهم، والثانى مزيد من التسهيلات من قبَل الدولة لاستيعاب مبادرات هؤلاء الشباب، وذلك حتى نتمكن من تكوين شركات ناشئة كثيرة تمتلك فرصاً كبيرة للنمو، ويمكن تكوينها وإطلاقها فى السوق باستثمارات وإنفاق محدود نسبياً.
ووفق هذا السياق، فإن الدولة مطالبة بالانسحاب التدريجى من مزاحمة القطاع الخاص فى أى مجال من المجالات التى لا تتعلق بالأمن القومى، وإفساح الطريق للشركات الخاصة حتى تنجز وتتطور وتنمو.
فمسألة تدخل الدولة فى الاستثمار وبناء المشروعات بنفسها وبأجهزة تابعة لها، كانت حتمية خلال الفترة الماضية لتهيئة مناخ جاذب للاستثمار، ولمساندة الإنفاق الاستثمارى الخاص الضعيف، ولتلبية الاحتياجات العاجلة للفئات محدودة الدخل من السكان من خلال بعض المشروعات مثل مشروعات الإسكان الاجتماعى.
أما فى المستقبل فلا صوت يعلو فوق صوت القطاع الخاص، لأن الدولة المصرية، أو أى دولة فى العالم وفق نظام اقتصاد السوق المعمول به حول العالم، غير قادرة على تنفيذ استراتيجية الاستثمار الكثيف، ومسألة بنائها المشروعات الإنتاجية عفى عليها الزمن وأثبتت فشلها، وبالتالى فالدور الرقابى والإشرافى على السوق بعد تهيئته هو المطلوب خلال الفترة الحالية، وسيكون حاسماً للغاية فى خطة التنمية.. فهيا نعمل.