توقيت القاهرة المحلي 21:29:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صُور عن «اللبنانيّ» بدأت الثورة تغيّرها...

  مصر اليوم -

صُور عن «اللبنانيّ» بدأت الثورة تغيّرها

بقلم: حازم صاغية

منذ 1975 على الأقلّ ارتبطت باللبناني صور خمس، بعضها أقدم من ذاك التاريخ بعقود: إنّه تاجر بأردأ معاني الكلمة وأحطّها، وأنّه كائن أسطوري مُحلّق. لكنّه أيضاً، وهذا ما يخالف الصورتين الأولى والثانية، كائن عنيف، وفوق هذا هو طائفيّ، بل الطائفي بألف ولام التعريف، المشوب تالياً بالعنصريّة.
اللبناني التاجر: تبعاً لطبيعة الاقتصاد السائد، حيث الخدمات هي العمود الفقريّ، نُسبت إلى اللبنانيين صفة التجّار. الفينيقيّون استحضروا بقوّة من الكتب العتيقة. لكنّ التاجر، في الفرع القومي - اليساري من ثقافتنا (وإن لم يكن في الثقافة الإسلاميّة) وجه رديء. كثير من الشتائم السياسيّة (عميل، زبون، صفقة، مساومة، تسوية...) مُستمَدّ من قاموس التجارة ومصطلحاتها. اللبنانيّ، بالتالي، هو النفعي بأرخص معاني الكلمة وأشدّها ابتذالاً: النفعي الذي لا مبادئ له. السينيكي المتنصّل من القضايا والخبيث في التعامل معها، والذي يصحّ فيه الوصف الشهير: لكلّ شيء سعر وما من شيء له قيمة.
اللبناني الأسطوريّ: أدونيس وعشتروت وإخوانهما كانوا لا يكفّون عن الهطول علينا: من سماء الشعر وسماء الأغنية، فضلاً عن الكتاب المدرسي بالطبع. فـ«نحن والقمر جيران» والبلد «قطعة سما». العلاقة مع الواقع وهمومه ومسائله بدت مقطوعة تماماً. التعالي على الواقع هو ما لا ينتج العقل سواه. صحيحٌ أنّ اللبناني يعاني الهموم ويئنّ تحت وطأتها إلاّ أنّه لا يفكّرها ولا يفكّر فيها: «ما بيلتقى مرّاتْ عنّا رغيف - ومنعيش بأطيب من الجنّة»، كما كتب ميشال طراد وغنّت فيروز.
اللبناني العنيف: هو أصلاً، في ثقافته الرومنطيقيّة القديمة، كثير التمجيد للجبل والصخر والوعر. الرحبانيّان كتبا: «نحنا ودْيَاب [ذئاب] الغابات ربِينا». «تفتيت الصخر» قُدّم كأنّه رياضة وطنيّة للّبنانيين. في الموازاة، ظلّ تمجيد الجيش، أي القوّة و«الرجولة»، موضع إجماع معلن وإن كاذب. في منعطف آخر بدأ عام 1975. سجّل لبنان اسمه واحداً من البلدان التي افتتحت الحروب الأهليّة. الميليشيات. القتل بلا رحمة. القتل على الهويّة. القصف العشوائيّ. الخطف... انكشف ضعفنا أمام أسماء كـ«أبو الجماجم» و«أبو الهول» روّجتها الثورة الفلسطينيّة. بعد هذين المصدرين، الريفي المسيحي والقومي - اليساري - الفلسطينيّ، أضاف «حزب الله» مصدراً ثالثاً يحفّ به المقدّس الشيعي وينهل من تواريخ دينيّة ومذهبيّة: عاشوراء وكربلاء و«هيهات منّا الذلّة».
اللبناني الطائفيّ: لا يختلف التركيب اللبناني نوعيّاً عن تراكيب المشرق العربيّ. لكنّ عدم تعرّضه لنظام قومي وعسكري يفرض على الناس كيف يسمّون أنفسهم، وتبنّي الدولة نفسها للطائفيّة السياسيّة وقيام إدارتها على المحاصصة، جعلت اللبناني ثرثاراً في الجهر بطائفيّته مقابل ميل عربي إلى الكتمان. لم تعد الطائفيّة مجرّد تهمة أخلاقيّة أو عيب ينبغي اجتنابه. باتت أداة للمعرفة والتعيين، وكادت تصير أداة وحيدة لذلك. غير بعيد عنها، نمتِ العنصريّة واندفعت تستهدف المدنيين السوريين والفلسطينيين وعموم الأجانب. هذا الاستهداف بلغ حدّاً من الوضاعة جعلته الأزمة الاقتصاديّة مجال التعبير الأوحد عن «التفوّق» و«العملقة».
مراحل وحقب كثيرة، وقوى وآيديولوجيّات عدة، أنتجت هذه الصور على ما فيها من انسجام ومن تضارب في آنٍ واحد. لكنّ الثورة التي فجّرها شبّان لبنان وشابّاته بدأت تكسر هذه الصور شبه الحقيقيّة شبه النمطيّة. إنّها تباشر تطهير النفس الجمعيّة منها. فاللبناني كما تقدّمه الثورة، وكما ترفعه عَلَماً، صاحب مبدأ يناضل في سبيله. إنّه يعلن فقره على الملأ ويسمو به إلى سويّة القضيّة. وليس بلا دلالة أنّ «المصرف» الذي بات في لبنان رمزاً للفساد، هو في رأس الرموز التي تستهدفها الثورة. الردّ على تلك الصورة أوّله التطبيع مع الواقع وإنزال الإنشاء السقيم من السماء إلى الأرض. واللبنانيّون الجدد يملأون ساحاتهم ويخوضون هذه المغامرة الرائعة بسلميّة قصوى. يعبرون حدود طوائفهم ومناطقهم التي علّبتْهم طويلاً، بحدٍّ غير متضخّم من فولكلور «الوحدة الوطنيّة» القديم. وهم يرسلون الإشارات عن نظرة أرحب إلى الآخر والمختلف، شريك الفقر والمعاناة. في هذا كلّه، نراهم يحتفلون بنفسهم الجمعيّة الجديدة بكثير من الفرح والشجاعة والإبداع، وبالكثير الكثير من الردّ الرمزي على نهبهم وإذلالهم، ولكنْ بالقليل جدّاً من النرجسيّة وتضخّم الأنا. فهم يتصرّفون تصرّف المُدرك أنّ فوات هذه الفرصة يعني البقاء عقداً بعد عقد عبيداً لحفنة من الفاسدين الصغار، وقد أضافوا إلى فسادهم وصَغارهم رغبة حادّة في الانتقام.
أمّا الصور، وقد كثّفتها «المشرقيّة» العُظاميّة لجبران باسيل فيما منطقة المشرف تحترق عشيّة الانتفاضة، ناهيك عن «أشرف الناس» الحزب - اللهيّة في وصف جائعين ممنوعٌ عليهم أن يشبعوا، فتأبى أن ترتاح. إنّها تتهيّأ للانقضاض مجدّداً دفاعاً عن عالمها القبيح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صُور عن «اللبنانيّ» بدأت الثورة تغيّرها صُور عن «اللبنانيّ» بدأت الثورة تغيّرها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:47 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

ميسي وصيفا لـ محمد صلاح تسويقيا

GMT 16:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السويد تعتقل عراقيا اتهمته بالتجسس لصالح إيران

GMT 06:05 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تعرّف على الفوائد الصحيّة لفيتامين "ك" ومصادره الطبيعية

GMT 05:39 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

حقيقة إصابة خالد الغندور بفيروس كورونا

GMT 07:44 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

سيفاس يفوز على دينيزليسبور بصعوبة في الدوري التركي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon