من المتعارف عليه فى علم الاقتصاد أن التنمية الاقتصادية عبارة عن مجموعة من المراحل المتتالية، المتصلة من حيث الهدف، والمنفصلة من حيث الأدوات.
ويكون الهدف الرئيسى للتنمية الاقتصادية فى أى دولة تعزيز أو تحسين المستوى المعيشى للمواطن، أو ما يطلق عليه اقتصادياً «مستوى الرفاهية».
وفى مصر، ووفقاً للنموذج الاقتصادى المتبع من قبل القيادة السياسية الحالية منذ أن تولت الحكم، والذى تقوم عليه فكرة التنمية المرتكزة المدفوعة بعدد من المشروعات القومية، إلى جانب ضخ استثمارات ضخمة فى البنية التحتية لتهيئة مناخ الاستثمار لانطلاق تنمية شاملة مستقبلية فى مختلف القطاعات.
من المتوقع أن تشهد الدولة خلال الفترات القصيرة المقبلة حراكاً ملحوظاً على مستوى نمو الناتج المحلى الإجمالى، مع تحسّن متوقع فى مؤشرات المالية العامة، بما سينعكس على تعزيز قدرة الحكومة على الإنفاق، وكذلك قدرتها على تحسين الخدمات الرئيسية، مثل الصحة والتعليم وبرامج الدعم. وسيشهد الاقتصاد خلال الفترة الوجيزة المقبلة 3 تحولات رئيسية ستدعم فى النهاية من نمو الناتج القومى وتحسن متوسط نصيب الفرد من الدخل، يمكن إيجازها فى ما يلى:
أولاً؛ التحول من تجهيز البنية التحتية للاستثمار:
ويعنى هذا التحول بدء تنفيذ مشروعات استثمارية منتجة بشكل مكثف من مختلف الفئات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وفى الكثير من القطاعات التى تتصدّرها الصناعة والتجارة والخدمات، وذلك بعد أن شارفت الحكومة على الانتهاء من مشروعات البنية التحتية الكبرى التى شيّدتها خلال السنوات الماضية ونجحت فى تهيئة مناخ جاذب للاستثمار بشكل كبير، وانعكس ذلك على مؤشرات وتصنيف مصر، كوجهة جاذبة للاستثمار خلال الفترة الحالية.
وسيصاحب هذا التحول زيادة فى الطلب الاستثمارى، وبالتحديد على الأراضى المرفقة، ومواد البناء والآلات والمعدات، وخدمات شركات المقاولات، بما سيوفر معه الكثير من فرص العمل، ويعطى دفعة للناتج القومى من بوابة «الإنفاق الاستثمارى».
ثانياً؛ التحول من الاستثمار للتشغيل:
ويعنى هذا التحول انتقال الكثير من المشروعات الإنتاجية من مرحلة التأسيس والبناء والتجهيز إلى مرحلة الإنتاج والتشغيل، خاصة تلك المشروعات الكبرى التى تم البدء فى تنفيذها منذ سنوات، خاصة فى مجالات البتروكيماويات والسيليكون وتكرير البترول وإنتاج الغاز الطبيعى.
وستنعكس هذه المرحلة على عنصرين: الأول التوظيف، من خلال طلب عالٍ على الوظائف لتشغيل هذه المشروعات وبمستويات أجور أعلى من السائدة فى السوق، لجذب الكفاءات إليها، والثانى هو الناتج القومى، من خلال تعزيز القيمة المضافة، وضخ المزيد من السلع والخدمات فى السوق.
ثالثاً؛ التحول من الانكماش إلى التوسع:
ويرتبط هذا التحول بالسياسات المالية والنقدية، ويعنى تحول الحكومة على صعيد السياسة النقدية من رفع أسعار الفائدة إلى تخفيضها، وتحجيم قدرات البنوك على الإقراض إلى دعمها، ومن الدخول كبائع فى عمليات السوق المفتوحة إلى الدخول كمشترٍ لضخ السيولة فى السوق.. وبدأنا جميعاً نشاهد هذه الإجراءات على أرض الواقع خلال الفترة الماضية، حيث تراجعت معدلات الفائدة المحدّدة من قِبل البنك المركزى بـ250 نقطة أساس خلال 45 يوماً فقط.
وسينعكس هذا التحول النقدى على تعزيز قدرة الأفراد على الإنفاق الاستهلاكى من خلال قروض التجزئة المصرفية، وسيُعزز قدرة الشركات على الإنفاق الاستثمارى من خلال قروض المشروعات. كما ستتحول السياسة المالية للحكومة من زيادة الضرائب وتخفيض الدعم إلى التسهيلات الضريبية والتوسّع فى دعم محدودى الدخل من خلال برامج محددة، مثل تكافل وكرامة، وستعتمد الحكومة بنوداً أضخم للإنفاق الحكومى الاستثمارى، بما سينعكس بالإيجاب على الخدمات الرئيسية فى السوق، وأهمها التعليم والصحة اللذان من المتوقع أن ينالا الاهتمام الأكبر للحكومة خلال الفترة المقبلة.
الخلاصة أن هذه التحولات الثلاثة ستدعم بشكل كبير متوسط نصيب الفرد من الدخل القومى، بشرط بقاء معدلات النمو السكانى عند مستويات منخفضة نسبياً ونجاح الحكومة فى مبادرات تحديد النسل، كما ستنعكس تلك الإجراءات على المستوى المعيشى لمحدودى الدخل، بشرط تفعيل آليات تكفل عدالة توزيع الدخل القومى المتزايد، وتخفيف الأعباء المعيشية من على كاهل الفقراء، كما ستدعم هذه التحولات النمو الاقتصادى وتعزز مؤشرات التنمية المستدامة بشرط تفعيل آليات حماية البيئة وتعزيز إنتاجية الموارد، إلى جانب حمايتها للأجيال القادمة.. المستقبل أفضل.. وإلى مزيد من التقدم إن شاء الله.