بقلم :نبيل عمرو
الجديد واللافت في خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إعلانه أنه سيدعو إلى انتخابات عامة فور عودته إلى أرض الوطن، والمتوقع أن يحدد موعداً نهائياً لهذه الانتخابات.
دافع الإعلان عن شأن داخلي أمام منبر عالمي هو لوم أصدقاء الفلسطينيين أصحاب القرار عندهم على عدم إجراء انتخابات عامة لسنوات طويلة، دون تفهم للذريعة الوحيدة التي تساق لعدم إجرائها وهي الانقسام، مع أن هنالك اجتهاداً منطقياً مفاده أن معالجة الانقسام تكون أكثر فاعلية من خلال الانتخابات، خصوصاً بعد أن أهدر الفلسطينيون أكثر من اثنتي عشرة سنة وهم يراوحون داخل دائرة الانقسام ولم تكن النتيجة مجرد فشل في إنهائه، بل بلغ الأمر حد تحوله إلى انفصال، وهذا أخطر بكثير على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية والنضال الوطني من أي أمر آخر. أثار إعلان الرئيس عباس مجموعة من الأسئلة يتداولها الفلسطينيون ومن هم على صلة بأزماتهم؛ هل ستكون الانتخابات في الضفة فقط، حيث سلطة عباس تمتلك إمكانية اتخاذ القرارات وتنفيذها على هذا الصعيد؟
هل ستكون القدس مشمولة بهذه الانتخابات أم أن إسرائيل التي تواصل منع الأنشطة الفلسطينية فيها ستمنع إجراءها؟
وهل مصطلح الانتخابات العامة يعني التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني؟
وأين غزة حماس من هذه الانتخابات؟
وهل ستتم بعد حوار قد يستغرق سنوات بين الفصائل التي يبدو جلياً أنها تفضل بقاء الوضع على حاله دون الدخول في اختبار قوة، ستخسر فيه حتماً إذا ما جرت انتخابات عامة؟
من الخطأ وانعدام الجدوى لو دخلنا في جدل حول كل سؤال، وكيف نتوصل إلى خلاصات حاسمة بشأنه، فمثل هذه الأسئلة وبفعل التجربة التي زاد عمرها على ثلاث عشرة سنة استهلكت جدلاً بين الفصائل التي ما نجحت ولو مرة واحدة في بلوغ خلاصات محددة لجدلها الدائم حول أي أمر.
إن المجدي والفعال والحاسم هو اعتماد السيناريو التالي:
أولاً: يصدر الرئيس عباس باسمه شخصياً بصفته الرئيس، أو باسم منظمة التحرير أو باسم السلطة قراراً بتحديد موعد نهائي لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتأجيل انتخابات منظمة التحرير خارج الوطن إلى حين ظهور إمكانيات عملية لإجرائها في تجمعات الشتات الفلسطينية.
ثانياً: أن تتم الانتخابات العامة وفق نظام النسبية الكامل ما يتيح لكل الفلسطينيين، وخصوصاً الغزيين والمقدسيين، الترشح والتصويت، وفي حال ظهور معوقات أو رفض من قبل الاحتلال أو أي فريق فلسطيني فإن نتائج النسبية تضمن للغزيين والمقدسيين شراكة في التركيبة البرلمانية، إذ سيكون مهماً - وطنياً وأخلاقياً - أن تتضمن كل قائمة مرشحين غزيين ومقدسيين يتناسب عددهم مع حجمهم في الوطن.
ثالثاً: وإلى أن تتم الانتخابات العامة في الموعد المحدد بصورة نهائية، فبوسع الشرعية الوطنية ممثلة بمنظمة التحرير ورئيسها تأسيس لجنة وطنية عليا وظيفتها إقناع جميع القوى بالمشاركة في الانتخابات وعدم مقاطعتها مع إقرار موقع من قبل الجميع باحترام نتائج الانتخابات مهما كانت، واعتبار ذلك التزاماً وطنياً لا فكاك منه.
رابعاً: تتولى لجنة الانتخابات المركزية اتخاذ كل الإجراءات الملزمة لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات والعمل تحت سقف إشراف عربي ودولي كثيف يعزز صدقية الانتخابات ونتائجها.
خامساً: منذ بداية الحديث عن الانتخابات العامة، بدا أن ظلالاً تخيم على الرئاسية، فهل هي مشمولة بالعامة أم أنها مؤجلة حتى إشعار غير معلوم؟ الأفضل أن تكون الرئاسية والتشريعية متزامنة وإذا ما تغلبت وجهة النظر وفتح صاحبتها، التي تدعو إلى عدم تزامنها فلتكن الفترة الفاصلة بين التشريعية والرئاسية محدودة للغاية على أن يتولى التشريعي المنتخب تحديد موعد نهائي ملزم للانتخابات الرئاسية.
لقد أهدر الفلسطينيون وقتاً ثميناً وطويلاً في حوارات لا طائل منها تحت عنوان إنهاء الانقسام، وأهدروا وقتاً ثميناً كذلك في الجدل حول الانتخابات، هل تكرس الانقسام أم تنهيه؟ إلا أن الدرس المستفاد من هذه التجربة البائسة والفاشلة أن التعايش مع الوضع القائم أدى إلى تحول الانقسام إلى انفصال؛ ما يجعل من الانتخابات العامة مخرجاً يتعين تجربته دون إعفاء الفلسطينيين من مسؤولية توفير كل مستلزمات نجاحها.
لم يعد مقبولاً التذرع بحجة واهية وغير منطقية تقول، وعلى مدى ثلاث عشرة سنة، إن الانتخابات تكرس الانقسام لأن التجربة أفادت بأن الذي رسخ الانقسام هو هجر الانتخابات وعزل الشعب الفلسطيني عن ممارسة دوره في السياسة والقرار، واستبدال حوارات عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع بذلك، فهل سنواصل هجر الانتخابات لمصلحة الحوارات العبثية؟
الأيام القادمة ستجيب.