توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جيران السعادة والتعاسة

  مصر اليوم -

جيران السعادة والتعاسة

بقلم - فـــؤاد مطـــر

هنالك دولتان في الفضاء الآسيوي - الأوروبي كابدتا بنِسب متفاوتة في زمن مضى من روسيا الحمراء ولكنهما صمدتا، وإن كانت الجيرة المتفاوتة المسافات العابرة دولة بعد دولة باتت تشكل هاجساً لهما، تعيشان أهدأ حياة فيما روسيا التي أخلعها الرئيس فلاديمير بوتين نهائياً ثوبها الأحمر وها هو محتار في أمر أي لون يصبغ فيه محياها، لا ينطبق عليها المثل الشعبي الجار للجار عملاً بالوصية الرسولية، بالجار السابع بدءاً من الأول.
في الفضاء الأوروبي هنالك فنلندا التي أوجب العمل الصحافي القيام بزيارة لها عام 1979 عايشتُ فيها على مدى بضعة أيام ملامح سعادة على وجوه الناس. وخلال لقاء برئيس الحكومة مونو كوينستو الذي بات لاحقاً رئيساً للجمهورية وبرئيس البرلمان هيستاري وكذلك بعض المسؤولين في الخارجية والاقتصاد وعدد من المواطنين العاديين لمستُ مدى شعور الناس بالقناعة وبالسعادة عندما لم يعد هنالك تدخل من جانب السوفيات في شؤونهم، وهم بذلك لا يعادون ولا يتقبلون معاداة الجار لهم وتحرشاته وتدخلاته على نحو ما هي أساليب إيران راهناً في ميادين اليمن وبعض دول الخليج ولبنان وسوريا والعراق.
ولكم يتمنى المرء مثل حالنا نحن في لبنان (المصنف أممياً حديثاً ما قبل الأخير في التعاسة تليه زيمبابوي) ومَن هم يعانون ما نعانيه وإن اختلفت الأساليب، يوماً إذا كُتب لنا الحياد أن يقال عنا أننا مثل الشعب الفنلندي من أكثر الشعوب سعادة في العالم (وعلى نحو ما هو تصنيف الأمم المتحدة يوم الجمعة 18 مارس/ آذار 2022، شعب فنلندا للسنة الخامسة على التوالي هو الأكثر سعادة)، ومثل هذا المصير ليس صعب المنال عندما لا يعود السلاح ورقة للتعامل الفوقي والإملائي مع قضايا الوطن ولمصلحة الغير الذي تذكر أساليب تعاطيه وتحرشاته مع لبنان المثخن بالتناقضات بتعاطي روسيا الحمراء ماضياً مع فنلندا.
أما الدولة الثانية فإنها تركمانستان التي كانت أحد أضلاع قيصرية روسيا الحمراء في زمن الترويكا الماركسية. يرنو بعض أبنائها الذين التقينا في زيارات إلى العراق وسوريا عدداً منهم في الثمانينات إلى أن تكون لهم دولة مستقلة مثل التي نالها الأرمن وتلك التي حظي الشعب الكردي بخطوة متقدمة على طريق الدولة. ولقد نال التركمان ما تمنوا الحصول عليه، حيث باتت تركمانستان مع بداية التسعينات دولة مستقلة لها دستور مثل سائر الدول ذات النظام الجمهوري. كما بات التركماني الذي كما الأرمني تجده في كثير من دول الجوار من أفغانستان إلى سوريا مروراً بإيران وتركيا والعراق، يتباهى بوطنه المستقل عن التبعية السوفياتية سابقاً، ويتطلع إلى أن تكون عاصمة الوطن «عشق آباد» اسماً على مسمى (أي مدينة الحب)، وبذلك تجد الدولة الغنية بالغاز والنفط والثروات المعدنية دوراً لها في المشهد الدولي الراهن... مشهد الصراع الدفين على الغاز والثروات الزراعية التي تنتجها حقول الدولة ذات النصف مليون كيلومتر مربع تقريباً فيما عدد السكان (مسلمون عموماً) مثل عدد سكان لبنان ذي المساحة التي هي عشرة آلاف وأربعمائة و52 كيلومتراً مربعاً تحتكر إيران بطبعتها الثورية ثلثيه جنوباً وبقاعاً وبعضاً من العاصمة بيروت.
وسط تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن ووصفه لنظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى درجة أن لحظة تفعيل الغضب من أحدهما قد تشعل حرباً لا علاقة لأمم العالم وعباد الله فيها من قريب أو بعيد، تسجل هذه الدولة التي نضيء عليها خطوة حضارية، يتواصل ومن دون أن توقف العقوبات واستقالات بعض المبدعين والفنانين والرياضيين والإعلاميين رجل القرار الروسي عن أمر كان في استطاعة وسطاء خير دوليين وخليجيين ترطيبه بأمل استنباط صيغة حل تُبقي بالتأكيد شعوب العالم في سلام وطمأنينة لا تخالجها هواجس فقدان الغذاء وحق العيش الهادئ تحت سماوات صافية لا تختلط فيها الصواريخ بالغازات السامة.
وأما الخطوة الحضارية فتتمثل في مشروع قرار اقترحتْه تركمانستان العضو في الأمم المتحدة، «ويدعو جميع الدول الأعضاء (193 دولة) إلى دمْج ركوب الدراجات الهوائية في شبكة النقل العام في المناطق الحضرية والريفية في البلدان النامية والمتقدمة، وكذلك تحسين السلامة المرورية وتعزيز استخدام الدراجات الهوائية من الأفراد والشركات من أجْل زيادة رحلات الدراجات ما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة بما في ذلك الحد من انبعاثات الغازات». ويشجع مشروع القرار الدول الأعضاء على إيلاء اهتمام خاص لركوب الدراجات الهوائية في استراتيجيات التنمية الشاملة بما في ذلك خدمات تقاسم الدراجات.
هكذا مشروع قرار يأتي في زمن تكاثرت فيه قمم الكبار التي تحاول إنقاذ المناخ من الانبعاثات والبحث عن بدائل تخفف من الضرر الذي تجاوز القدرة على التحمل، وذلك بابتكار السيارة التي تعمل بالطاقة الكهربائية أو الهيدروجين الأخضر، ولكنها بدائل تعني مجتمع صناعة السيارات والطائرات فيما الحاجة ماسة إلى حلول على درجة من التبسيط، من بينها هذا الذي جاء من دولة مهمشة في مجتمع أهل القرار الدولي، ثم ها هي في الاقتراح الذي تقدمت به تلقى إجماع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة على إقراره ومن دون أن تأتي إشارات اعتراض عليه من دوائر وممثلي أصحاب الفيتو في المنظمة الأممية.
في بريطانيا وبعض دول القارة الأوروبية هنالك إقبال متدرج على اعتماد الدراجة الهوائية وسيلة للتنقل. وهنالك دراجات صُنعت للنساء الأمهات، بحيث يكون هناك مقعد آمن للطفل أو الولد وراء مقعد الأم، كما يوجد حيز توضع فيه المشتريات من «السوبر ماركت». وهناك أيضاً آباء يوصلون أولادهم الصغار إلى المدارس من خلال استعمال الدراجة الهوائية.
يوماً تلو آخر سينحسر استعمال السيارات وتصفو السماء من انبعاثات الغاز والدخان ولا يعود الضجيج على ما هو عليه. وستكون الدراجة الهوائية وسيلة تنقل آمن، وحتى الذين يتحركون في شوارع مدنهم وبالذات بيروت في مواكب عدة سيارات بدل السيارة الواحدة قد تم حجب النوافذ بزجاج قاتم للتمويه، ربما يرون أن من مصلحتهم إعادة النظر والتحرك مثل سائر مستعملي الدراجات الهوائية.

خلاصة التأمل في المشهد الحاصل أمامنا: أوكرانيا الأتعس... وفنلندا الأسعد. في انتظار مصير أوكراني مثيل لمصير الحياد الفنلندي لينجو العالم وتستقيم الأمور وتبقى تبعاً لذلك كفتا ميزان القوى الشرق شرقاً والغرب غرباً... ويتعايشان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جيران السعادة والتعاسة جيران السعادة والتعاسة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon