بقلم: خولة مطر
تطاردهم المؤامرة بتعدد نظرياتها، تبقى هى ما نعلق عليه كل خيباتنا وإخفاقاتنا. هل تتذكرون أولئك الطلاب العرب عندما ارتحلوا للدراسة فى جامعات أمريكا وأوروبا، وفى كل مرة يسقطون فى الامتحان يكون الجواب الجاهز هو أن المدرس يكره العرب أو أنه صهيونى يتآمر على الطلاب العرب فيسقطهم ليبقوا كلهم شعوبا بالملايين جاهلة، تتعثر فى أيامها، وترضى بعمل بسيط ضمن أكبر مشغل فى الدول العربية حتى الآن ألا وهى الحكومة.
***
يجوع الناس ويبحثون عن كرامة لهم فى أوطانهم، يتحملون ويعودون للأمثال عن الصبر وهى كثيرة فى تراث كله يعتمد على القدريات والطاعة. تطول أيامهم فى زحمة مواصلات عامة مهترئة أو مكتظة ويجدون أن حياتهم تقضى فى طوابير بل كلها هكذا للحصول على الرغيف الذى هو ملك كثير من الموائد العربية.. أما اللحمة والسمك فقد أصبحت من غذاء يومى إلى وجبة احتفالية. وعندما يكثر الجوع وتداس الكرامة ينتفض بعضهم أو من طفح بهم الكيل وأصبح لا معنى للحياة لديهم. تخرج الجيوش من جحورها ورتابتها إلى الشوارع يواجه العزل بالدبابات التى من المفترض أنها على الحدود تحمى تراب الوطن وأرضه.. يعرف الجندى الفقير أصلا أن هؤلاء إخوته يلتحمون حتى تلتقى الأعين الدامعة وهنا يصرخ أحدهم وتبدأ الماكينة الإعلامية فى ترديد «إنها المؤامرة»، كل الدول تتآمر علينا حتى تلك التى تسيطر على حكومات هذه الدول وتزودها بالسلاح الذى لا عازة له إلا عندما ينتفض الجياع ويثورون للاحتفاظ ببعض ما تبقى لهم من آدمية.
***
إنها المؤامرة يصرخ المذيع، ذاك الذى تسلق طويلا على أكتاف الأنظمة المختلفة «عاش الملك مات الملك» هو مع الواقف كما يقول المثل الشعبى، ولا يخجل بأن الزمن قد تحول وكل شيء يوفره «الصديق غوغل» بكبسة زر فيخرج هو بمواقف متناقضة حد الضحك.. هو وغيره حولوا الإعلام العربى إلى صراخ وصراع ديكة حتى احتقر العربى نفسه عندما يراها فى مرآة شديده الابتذال.. هم «حملة اختام» زمن التكنولوجيا المتطورة والانترنت السريع.. يرددون أنها المؤامرة فدولة المصونة «فسادستان» العيون عليها وتطاردها أساطير الطامعين ومؤامراتهم حتى اتهم الفيسبوك بأنه محرك الثورات عبر «نكزة» من تلك الأنظمة المتآمرة دوما علينا، رغم أننا نشرب نخب صداقتنا القوية معها!!
***
يضيع المواطن العادى بين الخطاب الذى يبدو متناقضا ولكنه فى الكثير من الأحيان قد تعلم أن يصدق الوالى حتى لو كذب علنا ربما خوفا من القادم ربما توجسا من الآخر ربما لأنه لم يكبر إلا بين نظرية المؤامرة المستمرة. هناك مؤامرة على الوالى فهو قد خلقه الإله ولم تنجب الأمهات فى بقاع الأرض مثيلا له!! وأخرى على منابع النفط أو الثروات المكدسة فى «كروش» الطبقات الصغيرة المتربعة فوق سحابة بعيدة تتطلع للملايين الباقين تحت هناك على أرض لا ترحم، يكررون هؤلاء لا يستحقون سوى هذه الحياة!! وعندما يطفح الكيل بتلك الطبقات يقولون: هم حاقدون وقد حرضهم الاستعمار القديم ــ الجديد.. «إنها مؤامرة أخرى» غيرة من استقرار بلداننا والرخاء الذى يعيش فيه المواطنون أو بعضهم أو أقل أقلهم. ولم لا إلا يقول المثل «البقاء للأقوى» أو ربما للأكثر فساد!!
***
المؤامرة تستمر وتتعدى ذلك، بل تصل إلى الحياة اليومية فى مكان العمل هناك مؤامرة على العامل أو العاملة الكسول، موظفون هم تحت مظلة البطالة المقنعة ولكنهم لا يزالون يعتقدون بأن هناك مؤامرة عليهم حتى تأتى الإنذارات واحدة تلو الأخرى على تقصيرهم فى العمل.
***
المؤامرة ليست حكرا على الوالى وحاشيته بل هى مرض يمتد ليغطى على عيون الشخص أو المؤسسة أو الحكومة أو الدولة.. كل ما كثر الضعف وقل العمل والإبداع والابتكار كان من الأسهل أن يلقى اللوم على أولئك المتآمرين عليهم، علينا، على بلداننا، على شعوبنا.
***
ولكنها الأكثر وضوحا والأكثر استهلاكا عندما تدعى حكومات لا تعرف هموم مواطنيها اليومية وتتفاجأ أن هناك من لا يعرف «السمون فيميه» أو «الكافيار» كما مارى انطوانيت، فلذلك عندما يخرجون إلى الشوارع فاتحين صدورهم لرصاص قادم يخترق العين أو القلب فيسقطوا، هم شباب تعب من البطالة كثيرا وطوابير العاطلين والعربات الفارهة تمر مسرعة لا تراهم ولا وجوههم الشاحبة، فهم كما حجر الرصيف لا مكان لهم فى هذه الأوطان إلا «كمالة عدد».. لا تصرخ ــ يقول ذاك، وإلا كانت صرخة قد صنعت فى تلك العاصمة البعيدة التى تكره للوالى وأسرته نوم الهناء فوق المفارش الحريرة المزركشة.