بقلم: حسن المستكاوي
** بعد الفوز على شالكه بأربعة أهداف، توجه لاعبو بروسيا دورتموند إلى المدرجات الخالية التى كانت تجمع مشجعى الفريق، وقاموا بتحية الفراغ، أو كما يقول العالم الآن، تحية الأشباح.. والواقع أن هذا الفوز لم يكن انتصارا فقط على شالكه، ولم تكن نتائج المباريات التى أقيمت هى الأمر المهم والحدث الأهم، وإنما استئناف نشاط كرة القدم فى ألمانيا كان تحديا وانتصارا للإرادة وهزيمة لشبح فيروس كورونا الذى يهدد بهجة البشرية. وأسقط لاعبو بروسيا دورتموند فكرة نقص اللياقة وحساسية المباريات التى توقفت شهرين، بسبب الشوق الفطرى لممارسة كرة القدم والاستمتاع بركلها، فهى تركل بالاقدام ولا تركل بالأفواه كما يفعل بعضنا!
** عاد الدورى الألمانى. وكان محط أنظار العالم وأنظار روابط كبرى الدوريات الأوروبية خاصة أنه أول دورى كبير يستأنف نشاطه بعد شهرين من الإغلاق. فإذا لم تنجح التجربة الألمانية فلن ينجح أى دورى آخر يرغب فى استئناف النشاط. وتشير الأرقام الأولية إلى أن أكثر من 200 دولة منضمة للفيفا تابعت مباريات البوندسليجا التى أقيمت يوم السادس عشر من مايو الجارى فى عصر فيروس كوفيد 19 الخسيس. وقد انطلقت مباريات الدورى الألمانى الذى يسعى بايرن ميونيخ للفوز به للمرة الثامنة على التوالى، بدأت وسط تحذيرات من منظمة الصحة العالمية من احتمال أن يشن الفيروس موجة ثانية قاتلة، وقالت المنظمة: «هذا وقت الاحتراس وليس وقت الاحتفال»!
** استئناف الدورى الألمانى استقبله البعض بأنه انتصار للرغبة فى الحياة. وتساءلت صحف بريطانية: لماذا نعيش حالة جدل بشأن عودة البريمير ليج ولماذا نتابع مختلف الأنشطة الاقتصادية والصناعات فى بريطانيا وهى تدرس كيفية العودة بينما لانرى نفس الدراسة فى صناعة كرة القدم؟
** وقالت صحيفة «كورييرى ديلا سيرا» الإيطالية: «محرك كرة القدم الأوروبية يتحرك من جديد»، بينما ذكرت صحيفة «ليكيب» الفرنسية «الإشارة التى كانت تنتظرها كرة القدم الأوروبية بأكملها تأتى من ألمانيا».. وجرت المباريات وسط إجراءات احترازية صارمة. فلا احتفال جماعيا بالأهداف، ولا تبادل للتحية بالأيدى وإنما بالكوع، والاحتياطيون يرتدون الكمامات، وهى بألوان الفرق. والتغييرات خمسة، ويبدو أنها قد تستمر حتى موسم 2012 / 2022.
** بالطبع استقبل العالم المباريات أمام مدرجات خالية يسمع فيها صوت الصمت بتعجب، ووصف الكثير من نجوم كرة القدم الذين تابعوا المباريات الألمانية بأنها غريبة، ويصعب هضمها، إلا أن عودة الحياة إلى اللعبة يستحق أن يتحمل الجميع غياب المشجعين.
** هى مباريات غريبة بالفعل على المشجعين فى العالم وفى أوروبا. فاللعب دون صيحات، وهتافات، وغناء، وفرحة وحزن، وصخب طبول الجمهور أمر لم تعتادة القارة الأوروبية حتى فى أيام الحرب العالمية الثانية. فكانت المباريات التى دون جمهور لأشباح أو كما وصفها الأوروبيون مجرد مباريات بلاستيك..!
** نلعب الدورى المصرى وبطولة الكأس المحلية دون جمهور منذ سنوات، وقد اعتدنا على الصمت، باستثناء مباريات المنتخب الأول أو الأولمبى. وإذا كان الألمان والأوروبيون يرون اللعب دون حضور المشجعين غريبا، فإننا عشنا مباريات البلاستيك بالفلفل والشطة والليمون، ونرى أندية تتعارك ولاعبين يتعاركون، واعتراضات على كورنر أو رمية، أو لمسة يد، ونسمع صوت صراخ وسط صمت المدرجات التى يحتلها الأشباح.. فأكلنا البلاستيك وهضمناه واستمتعنا به ونشتاق إليه، فهو أفضل من الجوع لكرة القدم..!