بقلم: خولة مطر
ربما هى الميادين.. ذاك الفضاء العام الذى ترك لعقود كمساحة خاصة للذكور من سكان تلك الأرض.. ورغم أن النساء
أو كثير منهن عملن على كسر الجدران الفاصلة إلا أنهن لم يستطعن أن ينفضن كثيرا من الأفكار بداخل الأدمغة المتهالكة كأسوار مدنهن وحيطان منازلهن الزجاجية التى تسقط بضربة حجر! وأيضا كشوارعهن التى لا تفقد تضاريس حفرها رغم مرور السنين والسنين فلم إصلاح الحفر فى الشوارع بعد أن اعتاد عليها السائق، وأصبح قادرا على أن يتفاداها حتى لا تنكسر سيارته لمرات ومرات.
***
وليست الميادين فقط بل حتى الشأن العام الذى بقى هو الآخر حكرا على الرجال، فماذا تفعل المرأة فى ميدان بين جموع تهتف بأعلى صوتها بل تقود الهتافات لتردد شعار «الشعب يريد» أو «حرية وكرامة» أو.. إلخ هنا تعود المرأة إلى موقعها المتربع فى ذاك الفكر المتعثر بفعل عوامل التقاليد أو العادات أو ربما فقط لأن الشرف والعار أمران ارتبطا بالمرأة فقط.. فالرجل عندما يزنى أو يسرق أو ينهب المال العام لا يجلب العار أو «يوسخ شرف العائلة» بينما حضن المرأة ليد شاب أمام العامة فى شوارع تعج بأمثالهن قد يتحول إلى جريمة تمس شرف العائلة وسمعتها ولا بد من غسله، أى العار وليس الدماغ المتعفن!
***
فى 2011 تم الاعتداء على الفتيات فى ميادين العرب أو بعضها إما بالتحرش أو حتى الاغتصاب، شىء ما انكشف عن كمية العفن فى تربية الأبناء من الذكور وربما أيضا من الإناث اللاتى تسقطن فى نفس حفرة ذاك الفهم لدورها فى الحياة بل فى المساحات المخصصة لها وربما تقبل بعضهن أن تكون معاملتها مختلفة بناء على نفس تلك الدروس المتوارثة من قبل النساء! تحركت كثير من النساء حينها وبعض الرجال واستمرت الحملات ليس فقط فى الميادين بل وبعد أن تفرق الثوار ولم يبق منهم سوى ما تبثه الجدران والأرصفة من بقايا أثر فوقها لحالمين كانوا هنا ورحلوا!
***
لم تنته الحملة بل هى فى كل مرة تحمل ميزة وصفة جديدة وفى نهاية الأمر ما هى سوى تعبير عن نفس تلك الأدمغة الميتة بعفنها.. تأتى تلك الذكرى بعد أن خرج اللبنانيون واللبنانيات فى كل ساحات ومناطق ذاك الوطن والأعين تراقب فبعضهم كان قد فتح الشمبانيا واحتفل بالقضاء التام على أى صوت آخر يفكر فى أن يرتفع فى وجه تلك الطبقة، فمن أين جاء اللبنانيون المحبون للحياة العاشقون للجمال والرقص والغناء، من أين جاءوا بهذه العزيمة ليخرجوا ويشهروا أصواتهم لا غير بشعارات ضد نظام المحاصصة الطائفية وضد الفساد وضد التهميش وووو.. كثيرون فرحوا لهم ومعهم فقد رأى البعض أن الكيل كان قد طفح وكان من الضرورى أن يقول أحدهم كفى!
***
لم تسلم المرأة هنا من نفس تلك العقلية فلم ير الذكور العرب من صرخة الحياة هذه سوى نساء وفتيات جميلات وهطلت أمطار من التعليقات الساخرة مثل «يا ليت كل الثورات مثل لبنان» و«خذونى على بيروت» وغيرها الأكثر بشاعة ووقاحة.. بعضهم علق هل هذه ثورة أم حفلة وآخر نصح ذاك المسئول عن الترفيه أن ينقل الحشود المعتصمة فى ميادين لبنان إلى ذاك البلد الصحراوى.. مرة أخرى وما بين 2011 و2019 أيام وأسابيع وسنين والصورة لا تزال كما هى.. لا شىء يلفت نظر المتلقى العربى سوى نساء فى الساحات فإما أن يلاحقها بنظراته أو يديه أو يجرها إلى بقعة مظلمة ليفترسها هو وأصحابه وربما المارة!
أو يحولها إلى أيقونة للجمال والدلال والإغراء وينسى ما خرجت من أجله وما تهتف به حنجرتها وما قامت به من وقوف بين الجماعات المختلفة مانعة للاشتباكات التى رأت هى أنها تشوه هذه الانتفاضة أو الحراك أو كما يحب أهله أن يسموه الثورة.
***
هى المرأة إذن إما أداة للاعتداء عليها وانتهاك كرامتها بل اغتصابها بكل ما يمكن أن تحمله الكلمة أو الوصف فالاغتصاب ليس مرتبطا بالجسد فقط بل وأيضا بالنظرة والرؤية فعندما لا يرى الكثيرون من العرب فى الصرخات المتألمة للبنانيين واللبنانيات إلا جمال «الصبايا» فهنا تكمن مأساتنا وهنا ما يدعو للتفكير وطرح السؤال من أين نبدأ فى ثورتنا؟ ومن أين يأتى التغيير فى مجتمعات لا تمثل لها كل هذه الأعداد من نساء أوطانها سوى مادة للشهوة مهما فعلت ومهما ناضلت ومهما ارتفع صوتها ضد الظلم.. مرحى لكم ولنا هذه العقول المتربة ببقايا العفن.