أكبر الآفات التى أصابت أكثر الحركات الإسلامية هى السرية، وأهم مخاطرها موجزة فيما يلى:
أولاً: الإسلام دين البساطة والوضوح والعلانية «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»، «تركتكم على المحجة البيضاء».. والسرية تناقض ذلك، وهى تعنى الخلل والريبة فى الحياة الاجتماعية والسياسية، فالإسلام اشترط حتى فى الزواج العلنية، وجعلها تفرق بين الزواج والسفاح، كما جعلها تفرق بين الحلال والحرام.. «وكرهت أن يطلع عليه الناس».
ثانياً: عدم العلانية يناقض أصلاً من أصول الإسلام الهامة فى دعوته ومسيرته، وهو علانية الدعوة ووضوحها وشفافيتها، والإسلام جاء بالجدال بالتى هى أحسن وتدافع الأفكار، وهذا هو الذى يعطى قوة للإسلام.
ثالثاً: السرية هى الداء الأكبر الذى أصاب مسيرة الحركات الإسلامية، لأنها البداية الحقيقية لتكوين الأجنحة السرية والعسكرية التى تنتهج العنف والتفجيرات والاغتيالات التى تتسبب فى إراقة الدماء ووقف عجلة التنمية وحشر الآلاف إلى السجون أو القبور.
رابعاً: كل التنظيمات السرية فشلت فشلاً ذريعاً وسلمت آلاف الشباب إلى السجون لمجرد تواصل حلقات المعرفة حتى دون المشاركة فى شىء، وذلك بتهمة «الاشتراك الجنائى» أو «الانتماء للتنظيم» حتى لو حضر جلسة روحية أو فكرية واحدة معهم.
خامساً: العمل بمبدأ السرية يجعل الإنسان يتعود العمل فى الظلام، ولا يستطيع بعد ذلك العيش فى النور، فيدمن العمل السرى، ويكتم أبسط وأتفه الأشياء عن الآخرين حتى لو كانوا أقرب الناس إليه.
سادساً: مسلك الأنبياء جميعاً العلانية والوضوح والصبر الجميل والحلم والعفو، وتحمُّل المصاعب والمتاعب التى تنجم من ذلك، فلا تبرر السرية الاستبداد ولا الظلم والقهر، فقد تحمّل الأنبياء ذلك فى صبر وأناة.
سابعاً: السرية هى سحب للقواعد الفقهية المستقرة من مجالها الشرعى إلى المجال الحركى، وذلك أضرّ الفقه الإسلامى من جهة، وأضرّ الحركات الإسلامية كذلك.
ثامناً: السرية تجعل الشاب المتدين يُخفى عن أبيه وأمه وأهله أبسط الأشياء رغم أنهم أحق الناس وأولاهم به، وتجعله يتعامل معهم بروح الكذب أو التقية، ويتعود الكذب، ويعمل بنفسية الهارب المطارد المتوجس خيفة حتى من أقرب الناس إليه، ويشعر أنه وضع نفسه دون مبرر فى مواضع الريب، كما أنها تبدد طاقات الإنسان الحقيقية.
تاسعاً: عالم اليوم من السموات المفتوحة والإنترنت والفيس لا يقبل السرية، ويهدم أساسها ويحطم فكرتها، فلا حرج على أحد يريد نشر دعوته عبرها ما دامت دعوة سلمية صحيحة، فالسرية تجاوزها الزمن.
عاشراً: معظم التنظيمات السرية يُقبض عليها سريعاً عكس ما يتصور الناس، وبمراجعة تاريخها تجد أنها يُقبض عليها قدراً مثل «السيارة الجيب فى الأربعينات» و«تنظيم 65» الذى أنشأه سيد قطب و«طلائع الفتح» فى التسعينات، وغيرها، وكما عبّر أحد الضباط: «نحن نتكعبل فى التنظيم دون أن نريده بعينه»، فالسرية تحمل فى داخلها بذور فنائها.
حادى عشر: السرية تولد داءً من أخطر الأدواء فى الدعوة الإسلامية وهو أن التنظيم أهم من الإسلام «لا شعورياً» وتجعل الشخص لا شعورياً يتدرج فى الدوران حول التنظيم قبل الإسلام والدين.
ثانى عشر: السرية هى قرينة التقية، وهى لا توجد فى مذهب السنّة وتوجد عند الشيعة فحسب، وإدخالها إلى مذهب السنّة عن طريق السنّة أضر بالسنّة.
ثالث عشر: السرية قرينة لتضخم الذات، وتضخم العيوب دون إصلاح أو تصويب، لأنها تفتقر إلى المناقشة العلنية، والمراجعة والتصويب، ولذلك تتضخم الأخطاء وتكبر سريعاً، بعكس العلانية، حيث يتم تصحيح الأخطاء أولاً بأول ومناقشتها بين الناس.