توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل نحن طائفيّون؟

  مصر اليوم -

هل نحن طائفيّون

بقلم: حازم صاغية

مظاهرات العراق، الجبارة والشجاعة، أثارت في بعض وسائل التواصل الاجتماعيّ، وفي عدد من المقالات الصحافيّة، مسألة الطائفيّة: هل نحن طائفيّون؟
بعضنا، ممن ينفون الطائفيّة عنّا، وجدوا في الحدث الكبير برهانهم الساطع: لقد تظاهر أبناء المناطق المأهولة بالطائفة الشيعيّة ضدّ حكّام من الشيعة وضدّ ميليشيات تنتسب إلى الطائفة ذاتها وترعاها طهران. أحد الهتافات التي تردّدت في المظاهرات يقول: «سُنّة وشيعة... هيدا الوطن ما نبيعه». إذن، كما استنتج البعض، لا توجد طائفيّة في العراق.
الهتاف المذكور، للأسف، لا يعني الكثير. إنّه قد يوحي عكس ما يقوله، تبعاً لتركيزه على «السنة والشيعة». إنّه يجهد لنفي الخلاف بين الطائفتين بما يسلّط الضوء على الخلاف. هذا قد يذكّر برفع الهلال والصليب وهما يتعانقان في لبنان، خصوصاً في المناسبات التي يراد فيها توكيد لبنانيّة اللبنانيين ضدّاً على طائفيّتهم. مع هذا، فإنّهم... طائفيّون.
أمّا أن ينتفض محكومون شيعة ضدّ حكّام شيعة فهذا، بدوره، لا يكفي لنفي الطائفيّة. ذاك أنّ الأخيرة ليست رابطة مطلقة تلغي كلّ تناقض في داخلها، وتُعدم كلّ مستوى آخر من مستوياتها الكثيرة. فهناك بالطبع شيعة أغنياء وشيعة فقراء، وهناك بينهم أجيال مختلفة، وهم آتون من مناطق شتّى، ويحملون ثقافات فرعيّة متباينة، كما أنّ بعضهم أقلّ تحمّلاً للسيطرة الإيرانيّة من بعضهم الآخر. الفريق عبد الوهاب الساعدي، الذي ارتبطت باسمه هزيمة «داعش»، شيعيّ، أما الذين أزاحوه وأودعوه الإقامة الجبريّة فشيعة أيضاً. مؤخّراً في لبنان اعتصم ناشطون وناشطات شيعة أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لإحياء ذكرى الناشطة الراحلة نادين جوني التي «قتلتها» محاكم الطائفة قبل أن يقتلها حادث سير.
والحال أنّ ما من رابطة مطلقة، طائفيّة أو غير طائفيّة، تنوب بالكامل عن سائر الروابط الاجتماعيّة، لا في العراق ولا في سواه من البلدان. وغالبيّات السكّان في منطقتنا قد تكون طائفيّة ووطنيّة ومناطقيّة وطبقيّة في وقت واحد، مع تحوّل في جرعات المُركّب هذا تبعاً لعوامل كثيرة. أهمّ من ذلك، وأشدّ تعييناً للواقع، أنّ الصدام الشيعي - الشيعي يحصل فيما «الآخرون» خارج الصورة: الأكراد العراقيّون يعيشون همومهم ويخوضون معاركهم بالاستقلال التامّ عن معارك العراقيين العرب وهمومهم، والعكس صحيح. السنة العراقيّون، بدورهم، مشاركتهم في المظاهرات ضئيلة، إن لم تكن رمزيّة، لأسباب لا يمكن فصلها عن التنازع السنّي - الشيعي الذي انفجر في 2006 حرباً أهليّة. ذاك أنّ واقع الغلبة الطائفيّة حوّل الظهور الجمعي للسنة إلى موضع اشتباه أو فعل تجرّؤ. السبب؟ تهمتا البعثيّة والداعشيّة اللتين استخدمتا وتُستَخدمان لإبقاء السنة خارج الفعل السياسيّ. هكذا تصرّف المتظاهرون تصرّف مَن يحتجّ داخل بيته على أفراد آخرين من الأسرة نفسها، دون أن يخاف استغلالَ الأُسَر «الغريبة» لاحتجاجه. وليس بلا دلالة أنّ أربعينيّة الإمام الحسين محطّة ينتظرها الجميع، إمّا كمناسبة لتصعيد التظاهر أو لتبديده الاستباقي كما تريد السلطة.
لا يُقصَد بهذا أنّ الطائفيّة قدر العراقيين وسواهم من العرب، أو أنّها معطى جامد لا يقبل التغيير. المقصود هو استبعاد التبسيط والوقوع في إغراء الصورة الورديّة كما ترسمها المظاهرات أو أحداث أخرى مشابهة وسريعة العبور. وميلنا إلى الوقوع في هذا الإغراء كبير: فما هو حديث وعصري فينا يجعلنا نخجل بأنّ نُسمّى طائفيين (أو عشائريين)، فنبادر إلى الاستهجان. وما هو نرجسي فينا يأبى الإقرار بأنّنا «أقلّ» من الشعوب التي لا توصف بالطائفيّة، فنبادر إلى النفي. هكذا، وفي استخدام بالغ السخاء للعنصريّة أو للاستشراق، نروح نرمي بهما كلّ افتراض يجرح حداثيّتنا ونرجسيّتنا. نروح أيضاً نردّ هذه «الآفة اللعينة» إلى عامل خارجيّ، أكان نظاماً كنظام صدّام حسين أو نوري المالكي، أو بلداً كأميركا أو إيران وقبلهما السلطنة العثمانيّة. هؤلاء من غير شكّ ساهموا، على نحو أو آخر، في تمكين الطائفيّة وتعزيزها، وبمجموع أفعالهم جعلوا الطائفيّة على ما هي عليه. لكنّ هؤلاء لا ينوبون عن البنى الاجتماعيّة التي استثمروها واستثمروا فيها. وتاريخ العراق الحديث، كما تاريخ بلداننا جميعاً، ليس مُبرّأ من تلك «الآفة اللعينة».
هناك مسألة أخرى تستوقف الناظر: إنّ أنظمة الاستبداد القومي تقدّم رواية غير طائفيّة عن عالمها وعن العالم. في هذه الرواية، نحن شعب واحد لا يقبل الانقسام والتجزئة. نحن إخوان. كلّ من يتحدّث عن فوارق وتمايزات إمّا ضالٌّ ساذج أو مُضلِّل مشبوه. لهذا يُستحسَن بالذين يريدون التغيير ألا يستخدموا حجارة الأنظمة نفسها لبنائهم الجديد الموعود. إنّ الإقرار بالتعدّد والاختلاف، لا بالواحديّة الكاذبة، هو ما يمهّد للإعداد الطويل الذي لا بدّ منه لمن يريد تخطّي الثورة المضادّة الراهنة. فـ«الشعب» ليس واحداً، ونحن لا نجعله واحداً بالإنكار، لا في العراق ولا في سواه. أمّا أن تتلطّخ صورتنا قليلاً فهذا قد يكون ضريبة لا مهرب من دفعها كي نتحلّى بالمسؤوليّة عن بلدان منكوبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نحن طائفيّون هل نحن طائفيّون



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon