بقلم: زاهي حواس
اتضح أن كل التخاريف التي قيلت عن الهرم ليست من اختراع الأجانب، ولكنها جاءت من الرحالة العرب الذين زاروا مصر في القرن التاسع الميلادي. وقد اعتمد د. سيد كريم في كتابه بعنوان «لغز الحضارة المصرية» على أقوال هؤلاء المؤرخين، ومنهم «المسعودي»، إذ قال إن المصريين كانوا يضعون الحجر على أوراق البردي السحرية، ويطرقون عليها، فيندفع الحجر إلى مكانه بالهرم. ويقول إن ما يؤيد ذلك هو عدم وجود خدش أو أثر لآلات أو روافع على أسطح الأحجار، وأيضاً عدم وجود آثار لحبال الشد، مما يؤكد في نظر مؤلف الكتاب أن المصريين توصلوا إلى العلوم الإلكترونية من قوى الإشعاعات والموجات الصوتية والضوئية.
ويمضي المؤلف في تكهناته ويقول إن الهرم كان مركز اليابسة للقارات الخمس، وإن هرم خوفو لم يُبنَ كمقبرة، بل كمرصد فلكي، ولم يُبنَ في الأسرة الرابعة، وإنما بناه كهنة آمون في الأسرة الثانية، وإن ذلك يفسر قول «مانيتون» عن بناء الهرم، وإن من قاموا ببنائه، حسب قوله، إنهم قوم غرباء أتوا من الشرق، وإنه أُنشئ ليكون مرصداً للتنجيم الذي كان يعتبر جزءاً من العقيدة الدينية ومكملاً لبث المعرفة المقدسة وأسرار الوجود. بل وأشار إلى أن التاريخ الحقيقي للحضارة المصرية هو عشرة آلاف عام!
كما قلت من قبل إن أي شخص يقف أمام الهرم وهو غير دارس للحضارة المصرية القديمة، فلن يصدق أن هذا الهرم يمكن أن يبنيه بشر؛ لذلك يفتح هذا الأمر المجال للتخريف، ومنهم من يقول إن قوماً جاءوا من القارة المفقودة الوهمية «أتلانتس»، وإنهم بنوا الهرم، أو إن قوماً جاءوا من الفضاء، أو إن اليهود هم بناة الأهرام!
وهناك نقطة مهمة جداً وهي أن الهرم كان المشروع القومي للمصريين، وقد اشترك في بناء الهرم الشعب كله. أما بخصوص نقل الأحجار، فقد عثر حديثاً على كيفية نقل الأحجار، إذ كشفت بعثة فرنسية تعمل في محاجر «الألباستر» في «حتنوب»، عن طريق أن المصريين في عهد الملك خوفو كانوا ينقلون الأحجار على عوارض خشبية. وكانوا يمهدون الطرق لنقلها وجرها، بالإضافة إلى أن رئيس العمال «مرر» ترك لنا نصاً في بردية وادي الجرف، ويشير فيها إلى طريقة قطع ونقل الأحجار من محاجر طرة نفسها. وكانت تُجر الأحجار وتوضع داخل مراكب من خلال قنوات متصلة بالنيل، حتى تصل إلى الموانئ التي كانت مقامة أمام الأهرامات.
وأشار «مرر» أيضاً إلى مدخل منطقة الهرم الذي كان يدخل منه العمال والأحجار، وأن الملك كان يعيش في قصره بالهرم للإشراف على المشروع القومي. أما عن الحضارة المصرية القديمة، فلا بد أن تعرف أن عمر الحضارة يُقاس بمعرفة الكتابة، فهناك أدلة عُثر عليها بمنطقة «أم الجعاب» بأبيدوس، تشير إلى أن المصريين القدماء كانوا يعرفون الكتابة منذ 3200 عام أي نحو مائة عام قبل حضارة العراق القديم. أما الفترات التي تأتي قبل معرفة الكتابة في مصر، فتعود إلى أكثر من 7000 سنة، طبقاً لما كشفه عالم آثار ما قبل التاريخ «فريد ويندورف».
وبعد ذلك هناك عصور تعود إلى العصر الحجري الوسيط والعصر الحجري الحديث، ثم عصر ما قبل الأسرات حتى الأسرة صفر. وكان الملك نعرمر آخر ملوك هذه الأسرة. وأول ملوك مصر الذي حكم الوجهين القبلي والبحري كان الملك «حور عحا» أو «مينا»؛ ولذلك كل ما يقال عكس ذلك يذهب مع الرياح. وللأسف هذا النوع من الكتب تأخذ دعاية في بداية صدورها، وبعد ذلك تُنسى تماماً؛ لأنها غير قائمة على أسس علمية، وأنها عبارة عن تخيلات وأقوال لبعض الأجانب الذين يكسبون من خلال هذه التخاريف!