توقيت القاهرة المحلي 19:26:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المعضلات الأخلاقية

  مصر اليوم -

المعضلات الأخلاقية

معتز بالله عبد الفتاح

من أوائل المقررات الفلسفية التى درسها الإنسان كان مقرر اسمه «فى معنى الأخلاق». الفيلسوفة البريطانية Philippa Ruth Foot وضعت لنا معضلة كبيرة فى عام 1967، حين طلبت منا أن نتخيل شيئا من هذا القبيل، ماذا لو أنت سائق سيارة ضخمة واكتشفت فجأة أنها بلا فرامل، وبالنظر أمامك اكتشفت أن خمسة أشخاص سيموتون قطعا بسبب هذه السيارة، وفجأة وجدت مخرجا وهو أن هناك امرأة تقود سيارة فى الاتجاه المضاد ويبدو أنها وحدها، وبالتالى لو اتجهت بالسيارة فى مواجهتها فستقتلها فقط، وعلى بشاعة هذا البديل، لكن أمامك 20 ثانية لتتخذ قرارك بأن تضحى بالسيدة منفردة أو بالخمسة أشخاص. ماذا تختار عزيزى القارئ؟ يقول أساتذة علم النفس الإدراكى الذين أرادوا اختبار ردود أفعال البشر تجاه مثل هذه المعضلة: إن أغلب الناس اختاروا بديل قتل السيدة عن قتل الخمسة أشخاص، ولكن الاختيار كان صعبا للغاية والتردد كان فى قمته. طيب ماذا لو أنك لست قائد السيارة، وإنما أنت كنت فوق كوبرى ولم يكن هناك بديل المرأة فى السيارة، وسائق السيارة سيقتل الخمسة أشخاص لا محالة، والحل الوحيد كى نمنع السيارة من قتل الخمسة أشخاص أن تقوم بزج شخص ضخم أمامها، وهذا كان بديلا مناسبا لأن شخصا ضخما كان يمر بجوارك وبالتالى كانت التضحية به أسهل. ماذا تختار عزيزى القارئ؟ طيب ماذا لو أنك أنت البديل الوحيد، هل تلقى بنفسك أمام السيارة الضخمة لإنقاذ حياة آخرين؟ يقول أساتذة علم النفسى الذين استكملوا الاختبار: إن الأشخاص تراجعوا عن التدخل فى الأمر حين وجدوا أن هناك تضحية شخصية محتملة، سواء من منظور العواقب القانونية لأن يقتل شخصا، أو المصلحة الشخصية حتى لا يضحى بحياته هو. ماذا لو أنك طبيب أمامك خمسة مصابين فى حادث، وكل واحد فيهم يريد جزءا معينا من جسم الإنسان حتى يعيش، وإلا فالموت للخمسة أشخاص، وجاءك شخص تتناسب أنسجة جسمه وفصيلة دمه مع الأشخاص الخمسة، هل يمكن لك كطبيب أن تقتل شخصا لتحمى أسرة من خمسة أشخاص؟ ماذا لو أنك أقسمت ألا تقول إلا الصدق، وحافظت على القسم والمبدأ معا قرابة 20 عاما، وأنت فى مكان عام وجدت رجلا يجرى لاهثا باحثا عن مكان آمن، فقلت له: اذهب وراء هذا الجدار، وجاء من يجرى ومعه مسدس يبحث عن الشخص الآخر ويسألك: أين هو؟ أمامك أحد اختيارين: إما أن تقول الحقيقة التزاما بالمبدأ والقسم، أو أن تكذب حفاظا على روح شخص أنت لا تعرف هل هو مجرم أم برىء. وفى التاريخ الإسلامى مبادئ مشابهة، مثل قول الفقهاء: «الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما»، أى أن يتحمل أحدنا المفسدة الأقل تجنبا للمفسدة الأكبر. كم مرة وجد أحدنا نفسه أمام هذه الاختيارات على المستوى الشخصى أو الجماعى أو الوطنى؟ كم مرة وجد الإنسان نفسه أمام «مفاضلة بين صنوف الشر»؟ أتذكر حين كان بعض الأصدقاء يفاضلون بين التصويت للدكتور مرسى أو للفريق شفيق، وكان كل واحد منهما لديه رؤيته بشأن أيهما أفضل للثورة وأفضل للدولة، وكانت وجهات النظر متفاوتة لأقصى درجة، وبدا لهم أنها مفاضلة بين صنوف الشر، وهو ما لا يمكن التيقن منه. مصر الآن فى حالة زواج بالإكراه بين طرفين يكره بعضهما بعضا، وأنا لا أتحدث عن اختلاف فى وجهات النظر: هناك حالة كراهية، ورغما عن كل محاولات الإنسان ألا يشرب من نهر الكراهية، وألا يبادل الآخرين الإساءة بالإساءة، فهناك من يدفعنا جميعا دفعا إلى حالة من الكراهية الجماعية، والسؤال: كيف سنعمل معا من أجل مستقبل أفضل وأمامنا هذا الكم من التحديات ونحن ننظر إلى كل من له تقدير مختلف فى أى شىء على أنه متآمر وعميل وخائن ومنافق و«عبده مشتاق»؟! قيل: من وسع علمه قل انكاره. وقيل: {قل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}. ولكن هذه أقوال تحتاج إلى رجاحة عقل وصفاء نفس. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعضلات الأخلاقية المعضلات الأخلاقية



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon