توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معضلة إسقاط الدولة وإبقاء النظام

  مصر اليوم -

معضلة إسقاط الدولة وإبقاء النظام

معتز بالله عبدالفتاح

يقول صامويل هانتنجتون: الثورة الكاملة تتضمن صناعة ومأسسة نظام سياسى جديد (A complete revolution involves.. .the creation and institutionalization of a new political order) وتقول تيدا سكوك بول Theda Skocpol: نجاح الثورة يقتضى وجود قيادة ثورية (revolutionary leadership) وأيديولوجية ثورية (revolutionary leadership). وبالمناسبة هذان الشخصان من أكثر من درسوا تاريخ الثورات فى العالم، واستحضار مقولاتهما الآن بهدف بناء إطار نظرى لهذا المقال. إذن لو أخذنا المتطلبات الثلاثة معا: قيادة ثورية، أيديولوجية ثورية، مأسسة نظام سياسى جديد لوصلنا إلى استنتاج أننا فى معركة متعددة الأبعاد فيها قيادة ثورية مطعون على ثوريتها من قبل قطاع ممن شاركوا فى الثورة، وأيديولوجية ثورية تقدم مشروعا يعترض عليه بل يناضل ضده قطاع ممن شاركوا فى الثورة، ومأسسة لنظام سياسى جديد وفقا لدستور وقوانين وممارسات يعترض عليها قطاع ممن شاركوا فى الثورة. وكل نقطة تستحق شيئا من التأمل. أما بشأن القيادة الثورية، فالدكتور مرسى اختار طريق «القيادة العنيدة» التى تريد أن ترسخ فى ذهن المعترضين والمعارضين أنه ليس المجلس العسكرى الذى سيأتى لكم بقرارات ترضيكم أو تخفف من اعتراضاتكم فى يوم الخميس السابق على أى مليونية. وإنما هو الرجل «سميك الجلد» الذى لن يتراجع عما يؤمن به، سواء صواب أم خطأ، بمنطق الضغط عليه. وربما غيّر الدكتور مرسى حكومة الدكتور هشام قنديل إذا توقف المعارضون عن المطالبة بتغيير الحكومة لمدة معينة يقدرها هو حتى يرسخ الصورة الذهنية أنه لن يتخذ قرارات إرضاء لأحد أو استرضاء لأحد. هذا النمط من القيادة أمامه أحد احتمالين كبيرين: نجاح كبير أو فشل مريع. لأن هذه القيادة اختارت أن تتحمل وحدها المسئولية وأن تتخذ قرارات ليست موضع إجماع وطنى. والمثال الأقرب إلى ذلك هو قرار الرئيس السادات بالذهاب إلى إسرائيل وتوقيع معاهدة السلام رغما عن الاستقالات فى حكومته والمعارضة السياسية الشديدة له، أو الرئيس عبدالناصر فى قراره بالاستمرار فى التصعيد ضد إسرائيل قبل الخامس من يونيو 1967. هل كان أمام الرئيس الدكتور مرسى بديل آخر؟ الإجابة نعم، وهى أن يكون الرئيس «رئيسا لمجلس إدارة الوطن والعضو المنتدب لإدارته» مثلما فعل نيلسون مانديلا؛ فيكون فوق الأحزاب والفرق، وفى قلب التوافق والوفاق. ولكن السؤال، هل كان من الممكن له أن يفعل ذلك وهو من هو، وفى ضوء الخلفية الفكرية التى جاء منها؟ الإجابة عندى ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين نفسها، ومن الذى يفكر استراتيجيا لها، ومن هو الأب الروحى والعقل المفكر لتحركاتها. أظن أن الجماعة فى هذه الفترة تحديدا لا يوجد فيها ذلك الشخص الذى يجمع بين التنظير والتنظيم وإنما ظلت لفترة يطرد فيها التنظيمُ التنظير، فأصبح كل مفكر أو شبه مفكر مستقل داخلها إما يُقمع أو يرحل. هذه جماعة لم تعرف إلا رجلا واحدا نجح فى أن يجمع بين الاثنين وهو حسن البنا. وبعد ذلك كان هناك أناس يغلب عليهم التنظير (مثل الشيخ الغزالى أو الشيخ القرضاوى أو سيد قطب) أو التنظيم (مثل الأسماء الأبرز الموجودة حاليا فى مكتب الإرشاد). الدكتور مرسى من النوع التنظيمى فى وقت مصر بحاجة فيه للكثير من التنظير لأنها بحاجة لرؤية، والقدرة على الانتقال من التنظيم (الإخوانى) إلى النظام (الرسمى)، من مخاطبة الشُعبة التى ينتمى إليها إلى مخاطبة الشعب الذى يحكمه. وما يزيد الأمر سوءا أن المحيطين به سواء فى مؤسسة الرئاسة (كرأس النظام) أو فى مكتبة الإرشاد (كرأس التنظيم) يغلّبون التنظيم على التنظير، فيبدو الأمر وكأن التنظيم يريد أن يسيطر على النظام كرها دون أن يقنع الشعب بأن هذا فى مصلحته، أى الشعب، وإنما فى مصلحة الجماعة كشُعبة من شُعب هذا الشَعب. وهذا ما يفتح الطريق للشق الخاص بالأيديولوجية الثورية. هذه الثورة لم تكن أيديولوجية قائمة على صراع طبقات كما يقول الماركسيون، ولا هى كجزء من مؤامرة دولية قام بها مجموعة من الشباب الخائن لمصر كما يحلو لبعض من يريدون أن ينالوا من شرعيتها، وإنما هى جزء من رد فعل تراكمى لأخطاء وقع فيها النظام السابق. لذا هى بدأت كانتفاضة شعبية، وما يجعلها ثورة فى النهاية، هو مدى نجاحها فى خلق نظام سياسى جديد. لو تخيلنا أننا نعود إلى أول فبراير 2011 لوجدنا أننا كنا أمام ثلاثة احتمالات كبرى: الاحتمال الأول أن نستبدل بعض أشخاص جهاز الدولة بغيرهم على نمط أن يغادر مبارك السلطة ويحل محله عمر سليمان (وهذا هو ما حدث فى اليمن) أو أن ينقسم الجيش على بعضه ونتحول إلى ميليشيات مثلما كان يتمنى بعض السذج ممن أيدوا بعض شباب الضباط الذين أرادوا أن يهددوا تماسك الجيش وربما كانت انقلبت مصر إلى حكم عسكرى جديد أو إلى حرب أهلية مثلما يحدث فى سوريا، وفى حالة مصر تحديدا، كان التدخل الأجنبى العسكرى سيكون حتميا ضد فريق لصالح فريق لأن مصر أخطر من أن تترك بلا حكومة مركزية قوية يمكن مخاطبتها ومعاتبتها ومعاقبتها من قبل مركز النظام الدولى إذا اقتضت الضرورة. وكان يمكن أن يحدث البديل الثالث، وهو ما حدث، بأن تكون ثورة لتغيير النظام الحاكم بأشخاصه ومؤسساته وقواعده، وهو ما أخذته مصر ابتداء، ولم تزل تسير فيه؛ فتم التخلص من أهم خمس مؤسسات فى خلال عدة شهور: الرئاسة، الدستور، الحزب الحاكم، جهاز أمن الدولة، المحليات. ولكن كل هذا تم تحت شعارات فضفاضة وغير متماسكة ودون قيادة حقيقية أو وفقا لأيديولوجية ثورية تربط مسار الأفكار بحركة الأشخاص بنمط الأحداث. وظل ما هو مايكرو وتكتيكى مسيطرا على المشهد لغياب ما هو ماكرو واستراتيجى. ومع وصول الدكتور مرسى إلى السلطة، كان السؤال: ما هى الاستراتيجية الحاكمة؟ وبمرور الوقت اتضح أنه لا توجد استراتيجية حاكمة واستمر نمط الشعارات الفضفاضة: نحمل الخير لمصر، مشروع النهضة، محاربة الدولة العميقة ومؤامرات رجالها. سيادة منطق القيادة العنيدة مع غياب الأيديولوجية الواضحة رسخا مفهوم «مشروع التمكين» فى أذهان الكثير من مؤسسات الدولة التى أضحت تتصرف وكأنها طُلقت من النظام القديم، وتزوجت النظام الجديد دون انقضاء شهور العدة التى كانت تتطلب استراحة إقناع لها بأن القادم أفضل، ليس بمعيار الجماعة ولكن بمعيار الوطن. ولهذا أصبحنا نجد مقاومة واضحة من قبل بعض هذه المؤسسات، مدعومة بإعلام شرس، ومعارضة مرتبكة تزيد الترويكا الحاكمة، رئيسا وحزبا وجماعة، ارتباكا. وأصبحنا بصدد حرب مشروعات: مشروع الإخوان، فى مواجهة مشروع الدولة، فى مواجهة مشروع المعارضة. وبدلا من أيديولوجية ثورية ماكرو واستراتيجية أصبحنا أمام مشروعات مايكرو وتكتيكية مرتبكة ومربكة مليئة بالأخطاء والعثرات والقرارات غير المتسقة مع المعلن من الأهداف على نحو ما سميته فى مقال سابق فى أحد حواراتى مع صديقى محمد الميكانيكى: «التفكير الاستراكيكى» الذى لا هو استراتيجيا له منطق ولا تكتيكيا متسق. وهذا ما يأخذنا لمقولة صامويل هانتنجتون التى بدأت بها مقالى: «الثورة الكاملة تتضمن صناعة ومأسسة نظام سياسى جديد». صناعة الثورة الكاملة ومأسستها تقتضى ما هو أعمق من فكرة «الأخونة» أو «التمكين» أو تغيير النائب العام بإعلان دستورى كان ترجمة لقانون القوة وليس لقوة القانون. إما أن الدكتور مرسى قوى (والقوة لا تعنى العناد بالضرورة، ولكنها تعنى القدرة على إقناع الآخرين) ولديه أيديولوجية ثورية حقيقية (وهى المقابل الموضوعى للطريقة التى كنا نُحكم بها من قبل وثُرنا عليها)، وبالتالى سيستطيع أن يقنع الرأى العام بحاجة مصر لنظام سياسى جديد يقوده هو، أو أنه مجرد رجل تنظيمى عنيد يحتل موقعا الغرض منه ملء الفراغ فيه كضمان ألا يتم الزج بالجماعة فى السجون مرة أخرى وكفى، وبالتالى كل الكلام عن مشروع النهضة ما هو إلا أداة للوصول للسلطة وليس رؤية لإدارة شئون الدولة، وعليه النظام الجديد ما هو إلا النسخة الإخوانية من النظام السابق. إذن الدكتور مرسى لم ينجح فى اختبار القيادة بعد، ولا أستطيع أن أقول إنه فشل تماما بعد لأن الفرصة لم تزل سانحة رغما عن تراجع الأمل، ولم يثبت الإخوان أن لديهم أيديولوجية ثورية لأن منطق التنظيم الضيق لم يزل يسيطر عليهم، فهم كمن اعتاد على أن ينظر من ثقب الباب، وفجأة وجد الباب انفتح أمامه فارتبك، وازداد ارتباكا مع كم الهجوم المتزايد عليه، وبالتالى لم يزل المصريون يستشعرون أن الثورة لم تسقط النظام القديم، ولكنها أسقطت الدولة المترهلة فى عهد مبارك إلى الدولة الفاشلة فى عهد مرسى. أتمنى أن تغتنم الترويكا الحاكمة الفرصتين اللتين جاءتا إليها من القضاء بتأجيل الانتخابات البرلمانية وبعدم قانونية عزل النائب العام السابق، بأن تدخل فى شراكة حقيقية مع عقلاء الفصائل الثورية الذين يريدون أيديولوجية ثورية متكاملة نتوافق عليها جميعا، بدلا من المصارعة السياسية الحرة (بلا قوانين أو قواعد) التى ستجعل مصر فى خدمة الثورة والثوار، بدلا من أن تكون الثورة فى خدمة مصر والمصريين. نقلاً عن جريدة " الوطن" .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معضلة إسقاط الدولة وإبقاء النظام معضلة إسقاط الدولة وإبقاء النظام



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon