توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إلى الدكتور مرسى.. مصر بحاجة لقيادة جديدة

  مصر اليوم -

إلى الدكتور مرسى مصر بحاجة لقيادة جديدة

معتز بالله عبد الفتاح

مصر بحاجة لقيادة جديدة.. وأنا أكتب هذا المقال، اكتشفت أننى أكرر كلاما كتبته حين كان الرئيس مبارك فى السلطة. بحثت على الإنترنت فوجدت مقالا قديما لى كتبته فى 26 ديسمبر 2009 بجريدة «الشروق» بعنوان: «البرادعى وحاجة مصر لقيادة جديدة»؛ حيث جاء فى هذا المقال: «هو ما يعنى ضمنا أن مصر ليست بحاجة لتجديد القديم وإنما لبداية جديدة مع قيادة جديدة، ولا شك أن الدكتور البرادعى قبل دعوة مجموعة من المثقفين المصريين له أن يذهب إلى ما هو أبعد من تحليل الوضع واقتراح حلول له إلى أن يكون فى مقدمة كتيبة إصلاح أحوال الوطن». كان أملى فى الرجل كبيرا، وسعدت أن التف حوله جميع المعارضين لنظام مبارك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وسعدت أن الشباب أشعلوا فتيل الثورة، لكن إشعال الثورة أسهل من إدارتها وإنهائها؛ لأنها بحاجة لقيادة قادرة على أن تداوى جراح الثورة نفسها (القصاص والعفو)، وأن تصنع كتيبة للعمل على اجتثاث الأسباب التى أدت للثورة (الفساد والاستبداد والعناد والاستبعاد). لكن الآن وبعد 4 سنوات من كتابة هذا المقال، وبعد شهور عشر من حكم الدكتور مرسى، وبالنظر إلى عظم التحديات وتفتت القدرات، وبرصد الوجوه الموجودة على مسرح الحياة السياسية، أجد نفسى أقول نفس ما قلته من قبل: مصر بحاجة لقيادة جديدة. قيادة تجمع مربع المهارات والخصائص التالية: أولا: قيادة تملك القدرة على الخيال (power of imagination) مثل المخرج الذى يعرف شكل الفيلم وتفاصيله قبل أول يوم تصوير، مثل المهندس الذى يرسم على الورق ناطحة السحاب بكل تفصيلاتها وتعقيداتها حتى قبل أن يتم حفر أول متر أرض. هذه القيادة هى شخص يستعين بخبراء ليصنع فريقا للتخطيط الاستراتيجى أو مجلسا أعلى للسياسات الوطنية. تشير خبرة دول أخرى إلى أهمية وجود فريق تخطيط استراتيجى لبرامج التنمية فى الدولة. فريق العمل هذا يتكون من عدد محدود من الأشخاص تفاوت من دولة لأخرى بحيث كان فقط 8 خبراء فى بعض الدول ووصل إلى 24 خبيرا فى دول أخرى. المهم أن هؤلاء يتمتعون بخصائص علمية وتجارب حياتية تجعلهم العقل المفكر للدولة فى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتكون عضويتهم فى هذا الفريق هى العمل الوحيد الذى يعملونه، فيفكرون طوال اليوم، كل أيام الأسبوع، فى كيفية النهوض بأوضاع الوطن. وهم بذلك أطراف مباشرون فى عملية تنموية ذات أطراف خمسة: رئيس الدولة أو الحكومة، الوزارات والجهاز البيروقراطى، الشركات والمؤسسات الدولية، والقطاع الخاص المحلى، والنقابات العمالية والفلاحية. ثانيا: قيادة تملك القدرة على التخطيط (capacity of planning) أى: القدرة على تحويل الفكرة إلى مشروع أو مشروعات، والمشروعات إلى خطط قابلة للتنفيذ. وهو ما يقتضى أن يكون رأس الدولة (فى حالة مصر) رئيسا لمجلس إدارة الوطن يشارك فيه الجميع من كل الاتجاهات الفكرية بشرط أن يكونوا ممن يعلون الصالح الوطنى العام على المصالح الحزبية أو الشخصية الضيقة. وأهمية التخطيط هذا ألا نخترع العجلة وأن نفتت المفتت وأن ندمر المدمر وأن نرفض ما يأتى إلينا من آخرين رغبة منا فى ألا نشارك أو أن نشكر فى شىء لا يوجد عليه اسمنا. هذه أنانية لا تليق بقادة. إن كتاب التقدم فى العالم تمت كتابته، لكننا إما لا نجيد القراءة أو لا نريد القراءة. وبالتالى سنظل متخلفين، نشكو الظروف ونمدح الآخرين ونلعن المؤامرات التى نزعم أنها تحاك ضدنا. ثالثا: قيادة تملك القدرة على إدارة الموارد (capacity of resource management) أى: القدرة على إدارة مجموعات من البشر تعمل فى اتجاهات مختلفة وكأنها تجمع مشاهد الفيلم أو أجزاء ناطحة السحاب المشار إليهما. والقدرة على الإدارة تعنى إدارة الموارد المادية دون فساد أو إهدار والموارد البشرية دون إفساد أو محاباة. كل واحد من نماذج التنمية الناجحة فى الدول الصناعية الجديدة (NICS)، أى: الدول الصناعية الحديثة التى ظهرت فى السبعينات والثمانينات مثل هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان ثم لحقت بها فى التسعينات تايلاند وماليزيا، ثم لحقت بهذه الدول مجموعة أخرى نجحت فى أن تزاوج بين الديمقراطية السياسية والتنمية الاقتصادية مثل الهند والبرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا وروسيا وغيرها كثير مع تفاوت واضح فى مدى التزام هذه الدول بالديمقراطية.. القيادات التى نجحت فى صناعة النهضة الاقتصادية والمجتمعية فى هذه الدول ابتكرت فريق عمل له وظيفة محددة ومساحة معينة بدقة للدور الذى يمكن أن تقوم به، هذا الفريق له أسماء متعددة، وللتبسيط سنسميه «فريق التخطيط الاستراتيجى» الذى كان اسمه فى ماليزيا مثلا «وحدة التخطيط الاقتصادى» التى بدأت فى الستينات بعدد بلغ 15 شخصا، نصفهم كانوا من العقول الماليزية المهاجرة. والرأس الأخضر اعتمدت بدءا من منتصف السبعينات على ثلاثة عقول اقتصادية جبارة حول رئيس الوزراء الذى كان وزير التخطيط والضمان الاجتماعى أيضا. وتايوان ابتكرت مجلسا تحت اسم «مجلس المعونة الأمريكية» الذى كان يضم عددا من الخبراء التايوانيين والأمريكيين، وكان هذا المجلس على اتصال مباشر برئيس الجمهورية من خلال اجتماعات شبه أسبوعية، وشيلى اعتمدت على مجلس أُطلق عليه إعلاميا اسم «فريق شيكاغو» نسبة إلى حصولهم على درجاتهم العلمية من جامعة شيكاغو العريقة واعتقادهم فى الإطار الفكرى الذى تقدمه. رابعا: قيادة لديها إحساس شديد بالواقع (sense of reality)؛ لأن الأحلام الكبيرة إن لم تكن مرتبطة بقراءة سليمة للواقع، فإنها ستظل أحلاما. وأحسب أن أغلب من هم موجودون على الساحة السياسية المصرية يتحدثون عن مصر، لكن من لم يمارس منهم عملا تنفيذيا أو يحضر اجتماعا واحدا لمجلس الوزراء أو مجلس المحافظين مثلا؛ فهو يغيب عنه بعد مهم للغاية. قال لى مسئول سابق فى الدولة: إن المطلوب من رئيس الدولة أو الحكومة أن يكون مثل صاحب شركة إنشاءات هندسية كبرى، درس الهندسة على أعلى مستوى، لكنه كان فى الأصل عامل بناء تدرج ودرس وكبر حتى إن وصل إلى أعلى المراتب عرف جميع التفاصيل عن المهنة التى يعمل بها، فلا يُسرق منه «سيخ حديد». المعضلة فى مصر أننى لا أرى فى الحكم أو المعارضة من يمتلك هذه السمات، ولا أرى من يعترف بغيابها. وهذا ما يزيد الأمر سوءا. ولو كان لى أن أوجه كلامى مباشرة للسيد رئيس الجمهورية لقلت له: هل تمتلك هذه الخصائص؟ هل يوجد حولك من يمتلكونها؟ هل هناك أمل أن تحيط نفسك بمن يملكونها؟ هل لو هناك ليبرالى مصرى مخلص وعبقرى يحب أن يخدم مصر، هل تعتقد أنك وفرت له البيئة المناسبة كى يبدع ويشارك؟ هل لو هناك مسيحية مصرية مخلصة وعبقرية فى مجال ما وتريد أن تقدم مشروعا للنهضة فى قطاع ما، هل تعتقد أنك وفرت لها البيئة المناسبة كى تبدع وتشارك؟ هل كل ما يوجَّه للترويكا الحاكمة (رئاسة وحزبا وجماعة) من انتقادات هو جزء من الحرب الإعلامية والنفسية ضد الإخوان؟ ماذا عن بعض المنتسبين للتيار الإسلامى ممن يوجهون للرئاسة وللترويكا الحاكمة انتقادات حادة؟ هل هم كذلك حانقون على المشروع الإسلامى ويريدون إفشال الإخوان كجزء من الحرب العلمانية على المشروع الإسلامى؟ يا دكتور مرسى.. لقد أخفقت فى أن تصنع التوافق الوطنى، ليس بمعايير نيلسون مانديلا، ولكن بمعايير ما وعدت به أنت قبل الانتخابات وبعد الانتخابات الرئاسية وحتى الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012. إذن ما الحل؟ الحل عندى أن نختار بين البدائل التالية: أولا: أن يعلن الرئيس أنه سيسعى إلى مصالحة وطنية شاملة بشروط محددة تطرح على الرأى العام ابتداء. وتمر هذه الشروط على اختبارات الرشد السياسى والدستورى والاقتصادى من خلال آليات تُستخدم فى الدول المتقدمة لضمان ألا تكون القرارات الكبيرة، التى هى واسعة التأثير، ارتجالية وخفيفة المحتوى وغير مدروسة. هذه المصالحة تجمع بين المصريين على أساس الولاء للوطن وليس على أساس الولاء للحكم، أى على أساس التسليم بأن الثورة ليست معيارا للوطنية (وإلا اعتبرنا الملايين التى أعطت أصواتها للفريق شفيق غير وطنية، وهذا مستحيل). الثورة جاءت لتصحح المسار السياسى، وهو ما لن يتم بتقسيم المصريين على أساس الموقف من الثورة نفسها. إن الثورة فى خدمة مصر والعكس غير صحيح. هذه المصالحة الوطنية ضرورة حتى لا نجد أن الثورة نجحت من وجهة نظر البعض ومصر دمرت من وجهة نظر الكل. ثانيا: إن لم ينجح الرئيس فى تحقيق هذه المصالحة الوطنية الشاملة لأسباب تتعلق برفض الآخرين التعاون معه، فليخرج للناس معلنا عليهم جهوده وأدلته فى رفض الآخرين التعاون معه من أجل مصالحة وطنية شاملة. ثالثا: وسواء كان السيناريو الأول أو الثانى، أتمنى أن يطرح الدكتور مرسى فى يوم انتخابات مجلس النواب استفتاء، وفقا للمادة 150 من الدستور، يقول فيه: هل توافق على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال ستة أشهر أم لا؟ وفى كل الأحوال، مصر بحاجة لقيادة جديدة ونخبة جديدة ورؤية جديدة وثقافة جديدة فى إطار المربع السابق الإشارة إليه. أحذر الدكتور مرسى ومن يحيطون به تحذيرا واضحا وصريحا من شخص لا يتمنى لهم الفشل: أنتم تلعبون بالنار، وأنتم لستم ماهرين، وتنتجون نفس أسباب الحنق التى أدت إلى الثورة السابقة رغما عن استيفاء الإجراءات الشكلية على نحو أفضل. إن هذه النار ستحرق الجميع. أصوات التشدد داخل الترويكا الحاكمة وضعتنا جميعا فى مباراة صفرية، الفائز فيها هو من خسائره أقل، لكن الكل يقينا خسران. مضطر أن أكرر اليوم ما كتبته فى ديسمبر 2009، آملا أن تكون النتائج مختلفة. نقلاً عن جريدة " الوطن "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى الدكتور مرسى مصر بحاجة لقيادة جديدة إلى الدكتور مرسى مصر بحاجة لقيادة جديدة



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon