توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثورة «توء سفاهم»

  مصر اليوم -

ثورة «توء سفاهم»

معتز بالله عبد الفتاح

«منذ عدة أشهر وأنت تُصلح نفس السيارة يا محمد. ما الموضوع؟» سألت صديقى محمد الميكانيكى. «بعد ما عملت لها عمرة، طلبت من صاحبها ألا يركبها حتى نقوم بتليينها. ولم يسمع الكلام، وسأقوم بإصلاحها من أول وجديد». قال صديقى. «عادى، هذا حال مصر كلها. ما حدش بيقرا الكتالوج. تشعر أن مصر ما بعد الثورة وكأنها سوء تفاهم ضخم». قلت لصديقى: «توء سفاهم أفضل من سوء تفاهم، لكن ليه؟» قال صديقى. «البلد فيها كمية عجيبة من الأخطاء الناتجة عن فاعلين سياسيين يديرون الملفات ويتخذون القرارات بالعناد والانطباعات وليس بالتخطيط والحسابات. أتذكر حين كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يريد أن يقلل فرص الإخوان فى السلطة، ففرض غرامة الخمسمائة جنيه على من لا يشارك فى الانتخابات وفقاً لنظرية أن الإسلاميين قلة منظمة وأنه كلما زادت نسبة من يشاركون قلت نسبة الأصوات المتوجهة للإخوان. الطريف أن الخطة نجحت، وقلت نسبة الإخوان بحيث لم يحصلوا على الأغلبية فى مجلس الشعب، ولكن أخذ السلفيون أكثر مما كان متوقعاً لأسباب مختلفة من ضمنها من ذهبوا إلى الانتخابات عنوة. وحين أراد بعض الليبراليين وبعض الثوريين أن يواجهوا الإسلاميين فى الانتخابات، طالبوا المجلس العسكرى بإطالة الفترة الانتقالية (وكان أسوأ قرارات المجلس العسكرى بامتياز)؛ بما وفّر فترة أطول للإسلاميين كى يستعدوا للانتخابات، وازداد الليبراليون والثوريون انقساماً. وبعدما كان الناس يقدرون لشباب الثورة إنجازهم فى الثورة تحول الناخبون عنهم، وأصبحنا أمام من يجيد الانتخابات ومن يجيد المظاهرات. والمشكلة فى المظاهرات أنها لا يمكن أن تصل بك إلى السلطة ما دامت الانتخابات موجودة ما لم يتم إثبات أنها انتخابات مزورة. واستمراراً لتوء السفاهم تجد أن نفس من كانوا يقولون «الجيش والشعب إيد واحدة» فى مرحلة هم من قالوا لاحقاً: «يسقط حكم العسكر»، وهم الآن من يحلمون بانقلاب عسكرى، ويتهمون غيرهم بأنهم رماديون ومتلونون. ويستمر توء السفاهم حتى بعد الانتخابات الرئاسية حين تحاول مؤسسة الرئاسة أن «تحل المشكلة» فتخلق مشكلة أكبر بالإعلان الدستورى فى نوفمبر 2011 الذى يشبه لحظة دخول الرصاصة فى جسد التوافق الوطنى المحتمل، ومن يومها والجسد ينزف حتى أصيب بالهزال. إعلان دستورى لإطالة فترة عمل الجمعية التأسيسية، رغم أنها كانت أنهت 95 بالمائة من أعمالها، فأربكها أكثر من ارتباكها الأصلى. إعلان دستورى يريد أن يقيل النائب العام السابق، فى حين أن الدستور الجديد كان سيقيله خلال عدة أسابيع حال إقراره بدون كل هذه الضوضاء. إعلان دستورى لإعادة المحاكمة إذا ظهرت أدلة جديدة مع أن القانون ينص على ذلك أصلاً». «يا ابنى اقفل باب الثلاجة، علشان تسقّع اللى جواها». صرخ صديقى فى مساعده. «هذا أيضاً جزء من توء السفاهم الحاصل فى مصر يا محمد. ناس تتظاهر من أجل العدالة الاجتماعية ومن أجل ازدهار اقتصادى يعم عائده على الجميع. وفى نفس الوقت يؤيدون، وربما يشاركون فى، جعل مصر بيئة طاردة للاستثمار المحلى والعربى والأجنبى وللسياحة من خلال المواجهات الدائمة فى الشوارع بينهم وبين الشرطة. ويكفى بالنسبة لى صورة اقتبسها موقع المنظمة الدولية للسياحة عن إحدى الفضائيات للهجوم على أحد الفنادق وخروج السائحين منه لنستمر فى خلق مناخ غير ملائم للاستثمار والسياحة ثم نشكو من ارتفاع الأسعار وارتفاع البطالة. نحن كمن يفتح الثلاجة كل دقيقة للاطمئنان على قدرتها على تبريد المنتجات، ولكننا لا ندرى أننا بذلك نقلل من قدرتها على أداء المطلوب منها. نحن حين نقطع الطرق ونلقى المولوتوف نعبّر عن غضبنا من سوء أوضاع نجعلها بسلوكنا هذا تزداد سوءاً. والأمثلة كثيرة: مثل من يدخل على طالب يؤدى الامتحان ليسأله كل عدة دقائق عن أدائه، فيضره من حيث يظن أنه يحسن صنعاً». قلت لصديقى محمد الميكانيكى. «طيب وما الحل؟» سألنى صديقى. «لا بد من عمل امتحان قدرات ذهنية لمن هم فى المواقع السياسية والاقتصادية الأعلى فى البلد. أنا خايف يكون الأكل والهواء فيهم حاجة بتجعلنا فى حالة دائمة من توء السفاهم». قلت لصديقى، ولم يعقب. نقلاً عن جريدة " الوطن "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورة «توء سفاهم» ثورة «توء سفاهم»



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon