معتز بالله عبد الفتاح
هناك مثال شهير يستخدمه دارسو التحول الديمقراطى بأن مريضا ببعض الكسور ذهب إلى الطبيب ليشكو إليه منفعلا ومحتدا أنه ليس على ما يرام وأنه يريد علاجا لذلك؛ فيعطيه بعض المسكنات، وبعد عدة أسابيع تتكرر نفس القصة مع درجة أعلى من الانفعال والاحتداد.. وهكذا. وتمر الشهور ليلتقى الطبيب بالمريض عرضا ليسأله لماذا لم يعد يأتى إليه ليشكو إليه من ألمه، فيقول له المريض: «ما انا اتعودت خلاص».
أى أنه اعتاد على الألم وعرف كيف يتعايش معه. وهذا ما يحدث عادة للداخلين الجدد إلى عالم السياسة.. سنعتاد على أن هناك من يتفقون معنا كليا أو جزئيا أو يختلفون معنا كليا أو جزئيا، سنعتاد على أن المظالم ليست دائما مظالم من وجهة نظر الكل وأن حل مظلمة أحد بخلق مظالم لآخرين ليس البديل الأفضل، وسنعتاد على المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات والطوب والمولوتوف فى عدة كيلومترات من أراضى مصر، لتستمر الحياة فى بقية المليون كيلومتر مربع.
وستكون أمامنا قنوات تبث على الهواء مباشرة أحداث الطوب والمولوتوف وبعضنا يفضل أن يشاهد غيرها.
وسيظل بيننا من يرى أن واجبه هو أن «يسقط الرئيس القادم» وأن يطالب بأن يخضع الرؤساء السابق والحالى واللاحق للقانون شرط ألا يخضع هو للقانون. أى يطالب بإخضاعهم لقانون يرفض هو الخضوع إليه. وهو نفسه لا يجد أى مشكلة فى حرق مبنى عام أو خاص دفاعا عن حقوق مناضل آخر ينتمى لنفس مدرسته وقد يكون داخل المبنى مواطنون أيضا يمكن أن يموتوا، لكن لا مشكلة؛ ففى سبيل الدفاع عن حقوق بعض الناس «بتوعنا» يمكن امتهان حقوق أناس آخرين «بتوعهم». ومن الممكن أن ندافع عن الحرية بكل أشكال الاستبداد، وندافع عن العدل بكل أشكال الظلم.
سنعتاد على كل هؤلاء الأشخاص وكل هذه المظاهر وكل هذه المظاهرات بما فيها من بعض المتظاهرين بالتظاهر. المهم رغم كل هذا ألا ننسى واجبنا تجاه الإنسان المصرى الحقيقى الذى يعانى فعلا، ولا يتظاهر بالتظاهر.
عم سعد، مقاول أنفار، سألنى من يومين: وآخرتها إيه يا فلان؟ مش كفاية خناق وزعيق وضرب والناس تشتغل بقى؟ فقلت له: هتتعدل بإذن الله يا عم سعد. الرجل أقسم إن عدد خريجى الجامعة الذين أصبحوا يأتون له للعمل فى قطاع المبانى يتزايد لأنهم بحاجة للمال، لكنه أشار إلى شىء إيجابى هو أن حركة البناء بدأت تتحرك مرة أخرى وأن أكثر من عمارة بدأت تُبنى فى المنطقة التى يعيش فيها وأن هناك أملا أن حركة الحياة تعود إلى طبيعتها مرة أخرى.
طبعا طموحى الشخصى ألا تعود الأحوال إلى ما كانت عليه فقط وإنما أن تكون أحسن حتى مع استمرار الاحتجاج (السلمى الذى أشجعه) والعنيف (الذى أدينه). والحقيقة نحن لسنا بدعا من البشر، آخر التقارير الاقتصادية القادمة عن المكسيك تتحدث عن معجزة اقتصادية فى ظل قلاقل سياسية. المكسيك ستصبح أقوى اقتصاد فى أمريكا اللاتينية متخطية البرازيل خلال 7 سنوات رغم تزايد أعمال العنف التى تعانيها المكسيك جراء تجارة المخدرات هناك والحملات التى تقوم بها الدولة ضد الخارجين عن القانون وردود فعلهم الانتقامية. بل رغم كل ذلك فقد تحولت المكسيك إلى قبلة الكثير من المستثمرين بعد أن سجلت نموا وصلت نسبته إلى 3٫9% فى عام 2011، مع توقع بزيادته فى مقابل تباطؤ النمو فى البرازيل إلى 2٫7٪ العام الماضى.
وعلى خط موازٍ، باتت المكسيك تقف عند «فجر عصر جديد» مع قيام المزيد من المستثمرين بتركيز أعمالهم فيها؛ بسبب التكلفة المتنامية للأيدى العاملة فى الصين.
والتصنيع فى المكسيك بات أكثر جدوى منه فى الصين؛ ذلك أن متوسط الرواتب مع أخذ الإنتاجية فى الاعتبار كان يعادل 3٫06 دولار للساعة الواحدة فى المكسيك مقابل 2٫72 دولار فى الصين. ومن الآن وحتى العام 2015، سيصل هذا المعدل إلى 5٫30 دولار فى الصين مقابل 3٫55 دولار فى المكسيك.
إذن علينا أن نعتاد كل حاجة وأى حاجة، ومع ذلك وكما كنا ننتحب ليلا وننتخب صباحا، علينا أن نعرف كيف نساعد اليد التى تبدع وتبنى فى مواجهة تلك التى تحرق وتقتل.
نقلاً عن جريدة " الوطن "