توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نمر فى ميدان التحرير

  مصر اليوم -

نمر فى ميدان التحرير

مصر اليوم

  أعجبنى التشبيه الذى استخدمه توماس فريدمان فى لقائه مع لميس الحديدى بالأمس القريب. قال رأيت فى ميدان التحرير نمراً خرج من القفص بعد سنوات طويلة داخله وله ثلاث صفات: أولاً، أنه لن يعود إلى القفص بعد أن تحرر، ثانياً، أنه لن يسمح لأحد أن يمتطيه سواء كانوا «إخوان» وسلفيين أو غيرهم، ثالثاً، أنه لا يأكل سوى اللحم رغم أنه ظل لأكثر من خمسين عاماً يأكل طعام الهرر والكلاب. وأضيف رابعاً أنه تحول مع مرور الوقت إلى عدة نمور فى حالة شقاق وربما صراع فى ما بينها. وأضيف خامساً أنه أدمن قول «لأ» ورفض البدائل التى يمكن أن تحقق أهداف الثورة ما لم تكن تتفق بشكل مباشر مع طريقته فى التفكير. وكأن «لا» هى الثورية و«نعم» هى الرجعية. وأتذكر فى هذا المقام حواراً دار بين نيلسون مانديلا وأحد مساعديه حول المطالب «المجحفة» لقبائل الزولو من وجهة نظر المساعد ووصفه إياها بأنها «استعمار جديد لقبائل الإنكاسا» وقبائل الإنكاسا هى القبائل الأكبر فى جنوب أفريقيا والتى ينتمى إليها نيلسون مانديلا، فكان رد نيلسون مانديلا: «الكبير يعرف متى يقول نعم ومتى يقول لا، لأنه فى النهاية هو صاحب القرار، أما الصغير فلا يملك إلا أن يعاندك. إنهم يريدوننى أن أقول لا لمطالبهم، ولكنهم سيفاجأون بأننى سأوافق وسأجبرهم على العمل سوياً». هذه هى الثقة بالنفس التى تأتى من أهل الحكمة والمهارة وسعة الأفق والقدرة على المراوغة، وهى ذاتها ما نفتقده فى مصر. نحن ندمن التشدد تحت مسميات مختلفة وكأن الرفق فى بعض المواضع «خيبة» أو «ضعف» أو «تلون» أو أى فوضى لُغوية ممن يجيدها هؤلاء، ولو صح هذا لما هادن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم أحياناً، وحارب أحياناً نفس الناس. لكن من الذى قال إننا أتباع محمد أو حتى نقترب من تفكيره؟ بلدنا ينهار ونحن نتنابذ بالألقاب. وخير عقوبة لنا أن نظل على ما نحن فيه إلى أن ينهار كل شىء ويظل الأغبياء والحمقى يبحثون فى سجل الطرف الآخر عن السلبيات والهنّات لنشفى غليلنا ونثبت أنهم شريرون ونحن عظماء. وهذا هو جوهر ما قاله الدكتور فؤاد زكريا وهو يحلل العقلية المصرية، بل العربية: «إنها عقلية تسعى لتسجيل المواقف أكثر من سعيها لإيجاد الحلول العملية للمشاكل». أعود إلى تشبيه الثورة بإطلاق النمر من محبسه، هو تشبيه يحمل دلالة حقيقية. ولكن هذا النمر، لو أراد أن يكون طاقة عمل وبناء ونهضة، فعليه أن يتعلم معنى تحويل طاقة الهدم إلى طاقة عمل. دولة مثل كوريا الجنوبية شهدت احتجاجات طلابية كثيفة أفضت إلى التحول الديمقراطى، ودولة مثل البرازيل شهدت احتجاجات عمالية أفضت إلى التحول الديمقراطى فى الثمانينات وفعلوا بعضاً مما نفعل. ولكن لا بد فى مرحلة ما أن نتحول من حالة «الرومانسية الثورية» بكل ما فيها من احتجاجات غير سلمية وقطع طرق وغيرها إلى مرحلة «الواقعية الثورية»: المزيد من الاحتجاجات السلمية وقطع الطرق وإلقاء الطوب والمولوتوف لن يحل مشاكل مصر. نحن نريد سياحة من الخارج، ومستثمرين مصريين وعرباً وأجانب، ودولة لديها خطة استثمارية فى مجالات بعينها حتى تستطيع تلبية احتياجات العمال والموظفين والزيادة السكانية التى ستجعل عدد سكان مصر ضعف ما هى عليه الآن خلال 35 سنة. باحتجاجنا غير السلمى على سوء أوضاعنا الاقتصادية نحن نجعل الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءًا. أول ما جاءت الثلاجات إلى جزيرة العرب كانوا يفتحون الثلاجة كل دقيقة للاطمئنان على قدرتها على التبريد. وطبعاً مع كل مرة تفتح الثلاجة تفقد شيئاً من قدرتها على التبريد؛ فبدا وكأنها لا تعمل. لكن الحقيقة المشكلة كانت فى «سوء الاستعمال». بعضنا يحتج بشكل غير سلمى دفاعاً عن حقه فى حياة أفضل، ولكنه لا يعرف أنه بذلك يجعل حياته وحياة آخرين أسوأ. النمر المصرى قوى وشاب وواعد، ولكنه بحاجة لترشيد حتى يتحول من طاقة هدم إلى طاقة بناء. المهارة ليست فى رفض كل البدائل المتاحة، فهذا يجيده كل شخص. المهارة فى صناعة بدائل جديدة أو التوفيق بين البدائل المتعارضة وصولاً إلى الهدف الأكبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نمر فى ميدان التحرير نمر فى ميدان التحرير



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon