مصر اليوم
«كثيراً ما يقع الثوار فى مشكلات من صنع أيديهم ويستسلمون لأوهام من نسج عقولهم، فمع الحماس الزائد والانتشاء الثورى يصر بعضهم على تصرفات تتراءى لهم سليمة، بينما هى تضلّلهم وتضعف مواقفهم، ومن الأوهام التى وقعت فيها قوى وحركات وشخصيات شاركت فى إشعال ثورة يناير وهم الاعتماد المستمر على الميدان والاعتقاد فى إمكانية العودة إليه فى أى وقت ظناً منهم أن المشهد الذى انفجر فى 25 يناير 2011، قابل للتكرار فى كل مرة يدعون فيها إلى النزول إلى الميدان»، الفقرة السابقة من مقالة الأستاذ الدكتور إبراهيم عرفات بالأمس تحت عنوان: «وهم الاعتماد على الميدان»، ثم ختمها بقوله: «العمل التنظيمى الآن هو الأهم، وهو المسرح الحقيقى، ليس بالطبع بتنظيم تظاهرات جديدة أو بتمنى نزول الحشود إلى الميدان، وإنما بفكر وعمل مؤسسى متماسك يمكّن المعارضة من صوت الناخب بدلاً من تعويلها على استدراج عاطفته وتحميسه للنزول إلى الميدان. العودة إلى الميدان لم تعد أكثر من وسيلة مساعدة وليست هى الوسيلة الأصلية للعمل السياسى، لا بد من أطر تنظيمية قوية وائتلافات عريضة تخوض العمل السياسى وتقتحم المؤسسات، لأن التعويل على عودة روح الميدان كما كان أيام الثورة ليس إلا غرقاً فى أمل خادع، فأى نزول كبير الآن إلى الميدان لن يقف المصريون فيه مع بعضهم، وإنما فى وجه بعضهم وسيكون ذلك لو حدث خطيراً للغاية، صحيح أن اللجوء إلى الميدان لم يكن وهماً عندما اتحد المصريون ضد «مبارك»، لكن التعويل المستمر عليه الآن بعد أن تفرّقت بهم السبل وذهبوا مذاهب شتى أشبه بالاعتماد على أسطورة والاستسلام لوهم، والأوهام قد تُصدّق أحياناً لكنها لا تُصدّق فى كل الأحيان»، انتهى كلام صديقى العزيز.
وسأقتبس من المرحوم العزيز الدكتور سامر سليمان، أحد عقلاء الثائرين وأكثرهم علماً وقراءةً واطلاعاً. كتب الدكتور «سامر» فى يناير 2012 وقبل الذكرى الأولى للثورة مقالاً بعنوان: «وقفة نقدية مع زميل الثورة»
«الثورى الحق هو من يسير مع الناس حينما يكون الإصلاح ممكناً، بل من واجبه أن يكون وسطهم حتى ولو اقتنع بأن فرصة الإصلاح ضعيفة جداً، فقط عندما تكون وسط الناس أثناء الإصلاح وأثناء الثورات الصغيرة يمكنك أن تبشر بالثورة الشاملة وأن تقنع الناس بأن الإصلاح التدريجى ليس هو الخيار الأوحد، والثورى يجب أن يحافظ على مصداقيته وهو يمارس الثورة، وعليه ألا يطلق نفير إسقاط رأس النظام بدون قراءة موازين القوى الحقيقية على الأرض.. الثورى الحق هو من يسبق الناس بخطوة واحدة وليس عدة خطوات، لأنك لو سبقتهم بخطوات كثيرة ستلتفت فى النهاية لتجد نفسك وحدك أمام السلطة. ولن يفيد المجتمع كثيراً أنك بطل يواجه السلطة وحيداً بصدره العارى، وفى كل الأحوال قبل أن تسقط سلطة، عليك أن تفكر جيداً من هى السلطة البديلة»، ثم كتب فى يوليو 2012 قائلاً: «المعضلة الأساسية التى تواجه التيارات المدنية إذن أن هياكلها الحزبية والتنظيمية تقوم على الهرمية الجامدة، والهياكل الهرمية تحتاج إلى قواعد كبيرة صلبة لكى تستقر، انظر إلى هرم خوفو العملاق، هو مستقر ويناطح السحاب لأن قمته المدببة مستقرة على قاعدة واسعة وصلبة من الأحجار، أما هياكل الأحزاب المدنية فهى تبدأ بالشكل الهرمى وتكون فيها قواعد متسعة إلى حد كبير (تجارب أحزاب الوفد والتجمع فى السبعينات) ثم ما تلبث القواعد أن تنصرف عن الحزب ويتحول الهيكل الحزبى من هرم إلى مسلة، بحيث يتساوى فيه عدد القيادات فى القمة مع الأعضاء فى القاعدة، بل وتصل المأساة فى بعض الأحيان عند بعض الأحزاب عندما تأخذ شكل الهرم المقلوب، فيصبح عدد قياداتها فى القمة أكبر من عدد أعضائها فى القاعدة. لماذا ينصرف الكثير من أعضاء الأحزاب المدنية عن أحزابهم؟ لأن خطوط الاتصال مقطوعة بين القاعدة والقيادة أو هى لا تعمل بكفاءة ولأن هناك مجموعات أو شلل صغيرة تسيطر على التنظيمات، الأمر الذى يشعر الأعضاء بالتهميش ويدفع بهم خارج الحزب».
ختاماً أقول: الثوار طاقة عظيمة، حرام أن يبددها الفعل الثورى المبالغ فيه، والأحزاب المدنية طاقة نحن بحاجة إليها، حرام أن يبددها النقد دون تقديم بدائل.
نقلاً عن جريدة "الوطن"