توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثنائيات مفتعلة

  مصر اليوم -

ثنائيات مفتعلة

مصر اليوم

  اﻹنسان المصرى يعيش فى عالم من الثنائيات بعضها حقيقى وبعضها مفتعل: ولد أو بنت، مسلم أو مسيحى، شاطر أو بليد، يا بيفهم يا بيحفظ، أهلاوى أو زملكاوى، مسلمون أو كفار، معنا أو ضدنا. وبعدين لما دخل عالم السياسة على غير رغبة أو استعداد منه أصبح يبحث عن ثنائية جديدة: يا إخوانى يا ليبرالى، يا ثائر يا فلول، يا خائن يا وطنى. وبعضنا لا يرى بسهولة أن هناك بدائل ثالثة بل «ده حتى عيب»، يعنى واحد مش ولد أو بنت، دى مصيبة، ولكنه يطبقها بنفس الطريقة فى الأمور الأخرى! بيفهم وبيحفظ فى نفس الوقت مش ممكن! طيب لو عندنا إنسان بيفهم وبيحفظ نعمل فيه إيه؟ هذه قضية معقدة لا تخطر على بال بعضنا ممن استكانوا للثنائيات المريحة. لكن فى عالم الفكر والسياسة، الدنيا ليست فقط أبيض وأسود، بل إن الأبيض يمكن أن يكون أسود بمرور الزمن والعكس صحيح. النحاس باشا الذى وقع معاهدة 1936 هو نفسه الذى ألغاها فى عام 1951 وفى الحالتين برر قراره بالمصلحة الوطنية، والرئيس عبدالناصر الذى بدأ حكمه متقارباً مع الولايات المتحدة انتهى عدواً لها، و«نيكسون» الذى وصف الصين الشيوعية بأنها عدو لا يقل خطراً عن الاتحاد السوفيتى، كان أول رئيس أمريكى زارها ليقيم علاقات دبلوماسية معها. والنبى محمد صلى الله عليه وسلم الذى حارب مشركى مكة هو الذى هادنهم ثم حاربهم ثم عفا عنهم. والسيد المسيح الذى قال إنه جاء للعالم يحمل سيفاً رغماً عن أنه طالب أتباعه بأن يحبوا لاعنيهم. سطحية العقول تجعلنا غير قادرين على التفكير المركب الذى يرى الجوانب المختلفة للصورة الكاملة قبولاً أو رفضاً أو قبولاً بتحفظات ورفضاً بتحفظات. سأعطى لحضراتكم مثالاً لطيفاً: كتبت بالأمس على «الفيس بوك» وعلى «تويتر» ما يلى: بعد هذا الزخم الشعبى، أطرح على حركة «تمرد» فكرة أن يشكلوا حزباً سياسياً. هم الآن روح بحاجة لجسد ورأس. وغيرهم رأس (أى نخبة) بلا روح أو جسد. من فوائد تحول «تمرد» إلى حزب أن يكون عدد أعضائها موثقاً وتكون إطاراً يجبر الأحزاب الأخرى على العمل الجماعى معها. ولكن من مشاكل تحول «تمرد» إلى حزب أن «لأ» سهلة وصياغة برنامج وبناء هيراركية سيترتب عليه التنافس الداخلى ونحن لدينا نزعة لتحويل التنافس إلى صراع. وأوضحت أن فى أى قرار مصيرى يكون الإنسان مطالباً بعمل حاجة اسمها «SWOT analysis» أو دراسة جدوى، يعنى يناقش نقاط القوة أو الفوائد (Strength) ونقاط الضعف (Weakness) والفرص (Opportunities) والتهديدات (Threats) لأى فكرة أو مشروع. وطلبت من الأصدقاء أن يعملوا تحليلاً لهذه الفكرة من هذا المنظور الرباعى، وأوضحت أن معظم الأحزاب الجماهيرية الكبرى (مثل أحزاب العمال فى الخارج) لم تبدأ بفكرة تبناها شخص (هذه تسمى أحزاب الأشخاص)، وإنما بحركة اجتماعية تلقائية إن لم تجد وعاء (جسداً) يحميها ويحملها تضيع أو تظل مجرد حركة تمرد تعرف تعترض ولا تعرف أن تصل إلى السلطة. بعض من التعليقات وقفت أمام ما كتبت وكأننى أقول كلاماً متناقضاً مع نمط الثنائيات المفتعلة هذه. أحد الأصدقاء المتوترين (من مستخدمى تويتر) قرأ ما كتبت فرد علىّ قائلاً: «لا إله إلا الله، ما كلامك ده عكس التويتة اللى فاتت يا عم ارحموا أبونا بقى وفكوا عن سمانا شوية». وهذا مثال مباشر لطريقة التفكير الناتجة عن الثنائية القاتلة التى عشنا فيها طول عمرنا. الصديق غير قادر على أن يتبين حقيقة أن كل فكرة بحاجة لدراسة ما فيها من المميزات والعيوب والعقبات والمقترحات. لكن المسألة بالنسبة له أنه يريد أن «نفك عن سماه» بأن نتوقف عن التفكير والمناقشة والدراسة. المعضلة المصرية التى ستظل معنا هى نتاج سنوات طويلة من عقلية الحفظ (بما فى ذلك حفظ مواضيع التعبير) والملخصات «واكتب ما تعرفه عن». أزمتنا مركبة فيها عوار أخلاقى وفكرى وثقافى وتعليمى وإعلامى وخطاب دينى. وهذا ما لا يمكن إصلاحه إلا بجهد مخلص ومركز ومخطط. والبداية من النخبة السياسية والثقافية، ولكن كيف والنخبة تعانى نفس الأمراض؟ فتصبح الأدوات التى نستخدمها فى العملية الجراحية هى نفسها ملوثة.  نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثنائيات مفتعلة ثنائيات مفتعلة



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon