معتز بالله عبد الفتاح
أبدأ بإعلان تحيزاتى المسبقة فى هذا الصدد.
أولاً، لا أوافق على وصف المحكمة الدستورية بأنها «محكمة مبارك» وأى محاولة لتشويهها هى عندى جزء من رباعية المراهقة والمكايدة والمعاندة والمزايدة التى نعيشها فى مصر. أظن أن المحكمة، شأنها شأن الكثير من المؤسسات القضائية الأخرى، لا تريد أن تدخل حظيرة الرئاسة مرة أخرى أياً كان الرئيس.
وقوانينها لا بد أن تضمن ثنائية: استقلال مؤسسة القضاء، ومحاسبة القضاة إن خرجوا على القانون، وليس من الحكمة تشويه القضاء والقضاة لحسابات سياسية ضيقة.
ثانياً، يُقضى للناس أقضية بمقدار ما يحدثون من ذنوب، ويقضى للساسة، حكومة ومعارضة، أقضية بمقدار احترامهم لحدود دورهم. والمبالغة والتوسع فى دور مجلس الشورى يفتح باباً لمناقشة مدى استحقاقه. والمعنى الذى أفهمه هو أنه بديل عن سيطرة الرئيس على العملية التشريعية لحين انتخاب مجلس النواب. وبالتالى المطلوب فوراً هو التركيز فى إقرار قانون مجلس النواب.
ثالثاً، حكم المحكمة بعدم دستورية معايير القانون المنشئ للجمعية التأسيسية مع استمرار الدستور يؤكد أن هذا الدستور من ناحية مستمر فى العمل قانوناً، ولكنه يشكل دعماً لما وسبق أن اقترحته فى مارس 2012 من أن يكون لدينا دستور مؤقت، تحت عنوان: «دستور مؤقت لعقد واحد»،
وكانت حجتى آنذاك، ولا تزال أن «مناخ الاستقطاب الذى يصل إلى استخدام لغة التصعيد والإقصاء يجعل الدستور القادم أقرب إلى ساحة للنزاع والصراع، رغم أن المطلوب منه أن يكون خطوة فى طريق بناء الثقة بين الأطراف المختلفة»، ثم قلت: «احتقان النخبة وانفصالها عن الشارع ليس مناخاً صحياً لكتابة دستور دائم، لا سيما بعد أن بدا واضحاً أن قطاعا من النخبة المثقفة كلما وجدت نفسها فى موقع الأقلية المغلوبة رغماً عن منطقية ما تطرحه من أفكار فهى تنزع إلى إشاعة الذعر فى المجتمع».
لذا أعلن «أنه لا بد من مساحة زمنية كى يهدأ الغبار من الجو، ولاستقرار النفوس، ولقط الأنفاس، والتركيز على مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية الملحة وإعطاء فرصة لعمل مؤسسات الدولة لمدة 10 سنوات كى نتخبر كفاءتها، مع جولتين جديدتين من الانتخابات الرئاسية والتشريعية، قبل الوصول إلى دستور مصر القادم».
انتهى كلامى فى مارس 2012، والسؤال الآن، كيف نعالج الموقف الآن؟
أولاً، لدينا دستور مؤقت، أقرت المحكمة الدستورية بشرعيته حتى مع رفضها لمعايير اختيار الجمعية، له مزية كبرى أنه منع رئيس الجمهورية للأبد من إصدار إعلانات دستورية جديدة تعبر عن إرادته المنفردة وتوضح مدى استخفافه بفكرة التوافق مع الآخرين. مع ملاحظة أننى وقبل 24 ساعة من الإعلان الدستورى كنت قد أبلغت بأن الرئيس بصدد اتخاذ قرارات مهمة بناء على اجتماعاته مع القوى السياسية المختلفة. وبدا لى لأول وهلة أن الإعلان الدستورى كان موضع اتفاق الرئاسة مع مستشاريه وممثلى القوى السياسية والمرشحين الرئاسيين السابقين لأكتشف لاحقاً أن الجميع فوجئ بالإعلان الدستورى. وهذا خطأ ما كان يبنغى أن يقع فيه، يدفع وندفع جميعاً ثمنه حتى الآن.
ثانياً، لدينا سخط سياسى فى الشارع يتزايد، والترويكا الحاكمة تتعامل معه وكأنه جزء من حرب نفسية وإعلامية ضدهم. وهذا غير صحيح. هناك غضب حقيقى فى الشارع، ولا يكفى لعلاجه تجاهله. ولدينا عجز فى الموازنة يصل إلى 250 مليار جنيه، وهو رقم كبير على مجتمع يعانى أوضاعاً سياسية تعوق أى تعافٍ اقتصادى. وهذا هو الخطر الأكبر الذى يتجاهله قائد المركبة.
ثالثاً، لا بد من الالتزام التام من قِبل مجلس الشورى بقرار المحكمة الدستورية الخاص بقانونى تشكيل مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية، رغماً عن عدم موافقتى على بعض ما ورد فى قرار المحكمة بل أرى فيه شيئاً من التعسف فى تفسير النص. ولو كان هناك تحفظ على تصويت المجندين والضباط، فليكن المنع فى القوانين المنظمة للقوات المسلحة وللشرطة، وليس فى قانون مباشرة الحقوق السياسية، ويكون النص عليهم استناداً إلى مواد الدستور التى تؤكد على حياد المؤسسات الأمنية سياسياً وحزبياً وضرورات الأمن القومى والنظام العام فى المجتمع.
رابعاً، لا بد من التوافق على تعديلات الدستور بعد انتخاب مجلس النواب على أن يكون الاستفتاء فى نفس يوم انتخاب مجلس الشورى الجديد.
نقلاً عن "الوطن"