معتز بالله عبد الفتاح
لا يوجد عندى أدنى شك فى أننا نحب بلدنا، لكننا نتصرف كثيرا وكأننا نكره أهله، أو على الأقل وكأننا نضن عليهم بأن نساعدهم تحت أعذار مختلفة، بما فيها الانتظار لأن يأتى القائد الملهم الذى سيحدد لكل واحد فينا دوره. والمشكلة أن هذا النوع من التفكير مضر بالوطن الذى نتغنى بحبه، بل هو رخصة لأن يتكاسل البعض عن القيام بدوره انتظارا للزعيم المجهول، بل أزعم أننا بتكاسلنا هذا ينطبق علينا قول إيليا أبى ماضى:
«ومن ليس يسخو بما تسخو الحياةُ به.. فإنه أحمق بالحرص ينتحر».
ضبط إيقاع العقل المصرى مشكلة المشاكل على مستوى النخبة ومستوى الجماهير.
التوقف عن العمل والتطلع لمستقبل أفضل خطأ كبير لا ينبغى أن نقع فيه. الحب الأفلاطونى الذى يدعى فيه الإنسان المشاعر النبيلة تجاه شخص أو كيان ما دون أن يتخذ الإجراءات اللازمة لترجمة المشاعر إلى سلوك، يعنى ضمنا أن هناك خللا فى الوعى والإرادة. وكذلك الحب الاستبدادى الذى يجعل الإنسان أنانيا يريد مصر التى فى خاطره هو فقط دونما اعتبار لمصر التى فى خاطر آخرين خطر آخر فى الاتجاه المضاد.
وهو ما يذكرنى كذلك بقصة «المرتبة المقعرة» التى كتبها د. يوسف إدريس، التى جسد فيها لنا شخصا يحب الحياة ويكره أن يعمل لها. فقد رأى العالم من حوله فاسدا وقميئا ولا يتناسب مع معاييره الأخلاقية فقرر أن ينفصل عنه إلى أن يتغير هذا العالم المتوحش. نام الرجل على سريره وطلب من زوجته ألا توقظه إلا إذا تغير العالم.
نام لبعض الوقت ثم استيقظ سائلا: هل تغير العالم؟ فنظرت زوجته حولها وأجابت: لم يتغير العالم. ربما يكون قد تمتم ببعض الكلمات التى تعبر عن ضجره من أن العالم لم يتغير بالسرعة الكافية ثم مارس هوايته التى يجيدها وهى النوم والانتظار ثم استيقظ وسألها نفس السؤال: هل تغير العالم؟ فنظرت من النافذة وقالت: لم يتغير العالم بعد. وهكذا ظل ينام ويستيقظ ويسأل فتنظر زوجته حولها وترد عليه بنفس الكلمات. وبمرور الزمن بدأت مرتبة السرير تهبط وتأخذ شكل جسده المقعر. وبعد أن نام شهورا وسنوات، دون أن يتغير العالم، تحولت المرتبة إلى كفن يعيش فيه انتظارا لمجهول لن يحدث، ثم مات فأراح واستراح. وهنا نظرت زوجته إليه وهو ينعم بموته فى كفنه.. وقالت: الآن تغير العالم. وربما كانت تقصد: الآن تخلص العالم من أحد أولئك الكسالى الذين ينتظرون التغيير ويأملونه ولا يحركون ساكنا من أجله.
هذه القصة تقول إن العالم يتغير حينما نسهم فى تغييره، أما إذا قررنا أن نقف منه موقف المنتظر حتى يتغير، فنحن عمليا نسهم فى جموده بصمتنا تجاهه وانتظارنا لخروجه عن مألوف عادته حتى يتغير. وأغلب الظن أن العالم سيبادلنا تجاهلا بتجاهل؛ لأننا لم نفعل ما يكفى كى نجعله أفضل حالا. وعليه فهناك نوع من البشر يغير العالم الذى يعيش فيه، وهناك آخرون يتساءلون: ما الذى يتغير؟ وهناك من لا يعرفون حتى إذا كان هناك شىء تغير أم لا.
وطنك بحاجة لجهدك وعطائك، وأول العطاء ألا تنال أو تسخر ممن يعطون ويجتهدون وينتجون، وإنما أن تغبطهم وتتمنى أن تكون مثلهم وأن تأخذ المبادرة دون أن تنتظر أحدا. كلام الحب يجيده كل أحد، إنما العطاء الفعلى لا يجيده إلا المخلصون فى مشاعرهم. أولئك الذين قال عنهم عبدالرحمن الكواكبى: «ما بال هذا الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس، ويرفعون الالتباس، ويفكرون بحزم، ويعملون بعزم، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون». كن من هؤلاء، فدائرتهم تتسع بقدر إرادتك فى أن تعمل وأن تجتهد مهما كانت الإحباطات واحتمالات الفشل.
بهذا سنكون بالفعل نحبه ونحب أهله، ولكن لا تنتظر من أهله الكثير من الشكر، فهم مشغولون كثيرا بما حل بهم من مشاكل فاجعل عملك لله. وكما قال الشيخ الشعراوى لابنه وهو يلفت نظره لأن الإعلام لم يكن يركز كثيرا على إنجازاته وهو وزير الأوقاف، فقال له: «اللى عملناها له، علم بيها» آمنت بالله.
نقلا عن جريدة "الوطن"