معتز بالله عبد الفتاح
أمراضنا عديدة ومتنوعة، واجتماعها فى عدد كبير منا يجعل المشكلة معضلة، وقيمة المشكلات فى أن نعرفها وأن نعالجها، نحن نعانى من أمراض ذهنية معقدة.
المرض الأول هو أن بعضنا بيفترض فى نفسه أنه المواطن الملاك الذى لا يخطئ، وبالتالى ما ينفعش يغير رأيه فى أى حاجة، هو فيه ملاك ممكن يطلع غلط أو يغير رأيه؟
وإذا سلمنا أن الملاك لا يخطئ وأنه لا يغير رأيه؛ فالحقيقة أننا فرادى وجماعات لسنا ملائكة. قل لى عن مصرى واحد تعرفه لم يغير رأيه فى قضايا متنوعة لمدة 20 مرة على الأقل. ألم يقل الكثيرون «الجيش والشعب إيد واحدة»، ورجعنا فى كلامنا وقلنا: «يسقط يسقط حكم العسكر»، وبعضنا رجع فى كلامه تانى ويطالب بعودة الجيش مرة أخرى.
ورحمة الله على الإمام الشافعى حين قال: «قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب».
المرض التانى من أمراض الشخصية المصرية هو المرض الذى يجسده «المواطن المقص» الذى ينظر للمشكلة على أنها كبيرة ويقوم بقصقصتها حتى تصبح على مقاس قدراته.. وحضراتكم رأيتم هذا بأعينكم فى الاجتماع السرى المذاع على الهواء مباشرة بشأن إثيوبيا ومياه النيل...
المواطن المقص يحب المواقف البسيطة حتى لو كانت «غلط»، لأن المواقف المركبة صعبة عليه حتى لو كانت هى الصح.
كثيرون منا يسمع كلمة أو ربع جملة ويبنى عليها مواقف، ويفضل يدافع عنها، مع أن القضية أعقد من هذا كثيراً. هذا يجعل قوى التطرف والتشدد والاستقطاب والخوف المرضى والشك غير المنطقى تخلينا نولع فى البلد.
قال «أرسطو»: «الفضيلة وسط بين رذيلتين، ولكن العقول السطحية لا ترى إلا الرذيلتين ولا ترى ما بينهما».
مثلاً الشجاعة وسط بين التهور والجبن، لكن الجبان لا يرى الشجاعة شجاعة هو يراها تهوراً، والمتهور لا يرى الشجاعة شجاعة هو يراها جبناً.
العيب الثالث الذى نعيشه هو نمط «المواطن الأوفر»، وهذا هو مقام من إذا خاصم فجر. وهؤلاء لا يفرقون بين الاختلاف والكراهية، والاتفاق والحب. وهذه هى المراهقة السياسية.
فى عالم السياسة، وكذلك فى عالم البيزنس والمصالح، العاقل لا يحب ولا يكره، العاقل يتفق ويختلف. يعنى مثلاً ممكن نتفق مع شخص فى 5 قضايا ونختلف معه فى 3 قضايا. وممكن الحد ده يتبنى موقفاً جديداً أو يوضح لنا موقفه، فنكتشف إن اللى إحنا كنا مختلفين معاه فيه مبنى على نقص معلومات عندنا.
لذا قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: «ما وُضع الرفق فى شىء إلا زانه، وما نُزع الرفق من شىء إلا شانه»،
وقال السيد المسيح، عليه السلام: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر».
المرض الرابع هو نمط «المواطن الفهامة، الفتاى» أى بطل الجمهورية فى كل حاجة. المصرى، سواء بحسن نية أو بسوء نية، يحب أين «يفتى». لو سألنا نفسنا عن أى حاجة غالباً هنلاقى نفسنا بنتكلم بجرأة شديدة وكأن كل واحد فينا اتخرج من كل الكليات. يعنى الإنسان المصرى بيولد: «مهندس ودكتور وعالم فلك وطبيب أطفال وميكانيكى ومحلل رياضى ومحلل سياسى قديم، ومدير فرع بنك أرارى، وناشط سياسى وخبير استراتيجى... طه بالفطرة كده... لمجرد كونه مصرياً».
على رأى «أفلاطون»: «الحكماء يتكلمون لأن لديهم شيئاً يقولونه، أما الحمقى فيتكلمون لشعورهم أن عليهم أن يقولوا شيئاً».
المرض الخامس هو الذى يجسده «المواطن الطاحونة» أى الذى يناضل من غير قضية. أسطورة «المناضل بلا قضية»، شئنا أم أبينا، تخلق الحالة الثورية إحساساً لدى البعض، بأن هدوء الأوضاع ليس فى مصلحته هو الذاتية، لذا لا بد من حالة النضال الثورى، حتى لو ظل الإنسان مناضلاً بلا قضية حقيقية، ويرى من وجهة نظره أن المزيد من الدماء والشهداء مؤشر على نجاحه.
النضال الحقيقى هو نضال من أجل بناء مصر، ومش من أجل غِل سياسى بنفِشّه فى بعض.
اللى بيحب مصر لازم يأخذ الدواء اللى قال عليه «غاندى»:
«كن مع الوطن وليس مع السلطة، الذين مع الوطن عادة قليلون، والذين حول السلطة عادة كثيرون».
ضع الحرف الأول من كل مرض تجدنا فى النهاية نتحدث عن «المواطن الممأطف».
نقلاً عن "الوطن"