توقيت القاهرة المحلي 00:42:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الرئيس مرسى» يتآكل

  مصر اليوم -

«الرئيس مرسى» يتآكل

معتز بالله عبد الفتاح

نحن أمام منعطف صعب. تاريخيا، المصريون لم ينتخبوا فى تاريخهم حاكمهم قط إلا فى 2013. وهذا ليس مستغربا؛ فمصر كانت تُحكم من قِبل غير مصريين (أى حكام لا ينطبق عليهم وصف القانون المصرى: أن يكونوا من أبوين وجدين مصريين) لمدة 2500 سنة. من يعد إلى التاريخ يجد أن جميع الغزاة من الأقاليم المحيطة بمصر من الجهات الأربع قد تناوبوا على حكم مصر، بدءا من النوبيين فى الأسرة الخامسة والعشرين، مرورا بقبائل الصحراء الليبية (قبل أن تمتد ذراع مصر لتحتضنهم)، ثم الآشوريين والإغريق، ثم الفرس (200 سنة) ثم اليونانيين مع الإسكندر الأكبر، وهو ما قاد إلى دخول مصر عصر البطالمة (300 سنة) ومن بعده الرومان بعد كر وفر مع الفرس (700 سنة)، ثم الفتح الإسلامى (1400 سنة) بين ولاة كلهم معينون من المدينة (دولة الخلافة لمدة 40 سنة) أو الكوفة على عهد خلافة سيدنا علىّ القصيرة ودمشق (الدولة الأموية، أقل من 100 سنة) أو بغداد وسامراء (الدولة العباسية الأولى، 500 سنة) أو الأستانة (الدولة العثمانية، 400 سنة) أو يؤسس الولاة دولا مستقلة عن دولة الخلافة الأم، مثل الدولة الطولونية ومن بعدها الإخشيدية (كلتاهما مجتمعتان 100 سنة) ثم الفاطمية (250 سنة) ثم الأيوبية - المملوكية (حوالى 350 سنة)، ثم الحملة الفرنسية (3 سنوات) وهى مقدمة دخول مصر عصر الدولة الحديثة على يد أسرة محمد على (حوالى 150 سنة) التى حكمت حتى قيام ثورة يوليو 1952 التى ردت مصر إلى المصريين من الاحتلال البريطانى (حوالى 70 سنة). إذن ثورة 2011 أعطت للمصريين فرصة تحرير المواطن بعد أن أعطت ثورة 1952 للمصريين فرصة تحرير الوطن. لكن الملاحظ أننا نتحرك فى فضاء من السعى الدائم للالتفاف على الإرادة الشعبية. حدث ذلك مرة بعد استفتاء 19 مارس 2011 الذى أعقبه إعلان دستورى فى 30 مارس جعل البلاد تسير بخطوات «نعم» ولكن بسرعة «لا» فلا تحققت فوائد «نعم» ولا تحققت فوائد «لا». وإهدار الإرادة الشعبية الاستفتائية، كما قلت آنذاك، أخطر كثيرا من مضمون هذه الإرادة. ولو كانت الأغلبية مع «لا» فكان لا بد من احترامها، لكن هذا لم يحدث. وتم إهدار الإرادة الشعبية مرة أخرى، مع حكم المحكمة الدستورية العليا ثم قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحل مجلس الشعب. ورغم أننى حضرت بعض الجلسات التى كان فيها التحذير واضحا من أن القانون المنظم لانتخابات مجلس الشعب غير دستورى، لكن أصرت الأحزاب والقوى السياسية عليه. وضاعت الإرادة الشعبية الانتخابية، بحل المجلس.. وها نحن نجد أمامنا حراكا شعبيا جديدا يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، لكن هذا لن يكون بسهولة إلا إذا استشعر الرئيس الحرج، وأعلن عنها هو بنفسه. ورغم أن الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة ليست عملا مجافيا للدستور والقانون بل هى دعوة للعودة للإرادة الشعبية مرة أخرى، لكن فى موعد سابق على موعدها الدستورى، لكنها تدخل فى منازعة قانونية مع الإرادة الشعبية السابقة التى تمثلت فى الانتخابات الأولى وفى الاستفتاء على الدستور. إذن ما يحدث فى مصر الآن يفتح الباب لتساؤلات عديدة مرتبطة أساسا بمدى قبول ثقافتنا للديمقراطية بعد تاريخ طويل من اعتياد الثقافة المصرية المتوارثة لأن تكون شئون الحكم بيد غير مصريين، وإن كانت بيد مصريين، فهم غير منتخبين. الآن نحن فى اختبار حقيقى: هل نستطيع أن نحكم أنفسنا بأنفسنا وفقا لقواعد ديمقراطية، أم أننا لا نملك هذه لأسباب ثقافية وتاريخية وسياسية؟ أتذكر أننى فى جلسة مع بعض المؤيدين للدكتور محمد مرسى ذكرتهم بأن ما هو على المحك الآن ليس «المشروع الإخوانى» أو «المشروع الإسلامى» أو «الديمقراطية» وإنما «الدولة المصرية». وكان ذلك فى أعقاب مقال لى فى 21 يناير 2013 انتقدت فيه عدم التزام الرئيس بوعوده، بما فى ذلك نتائج الحوار الوطنى الذى كان آنذاك مسوقا سياسيا وإعلاميا كمحاولة من الرئيس لرأب الصدع. قلت فى هذا المقال تحت عنوان: «حين يفقد الحكم مصداقيته»، ما يلى: «لست من هواة ادعاء البطولات الزائفة أو التحذير من أشباح، لكننى فى نفس الوقت لا أستطيع تجاهل الأخطاء الكبرى التى يمكن أن تفضى إلى نتائج كارثية: سيادة الرئيس، أنت تسير فى اتجاه إفقاد مؤسسة الرئاسة مصداقيتها حتى عند غير معارضيك. لو كان هذا مقصوداً من جهة ما للتضحية بالرئيس مرسى، فهى خطة ناجحة، وإن كان المقصود غير ذلك، فانتبهوا لأنكم تسيرون فى الاتجاه الخاطئ، ولا بد من التذكير أن فى أعقاب الثورات تكون شرعية الصندوق الانتخابى هى أضعف مصادر الشرعية. الشرعية الحقيقية هى شرعية المصالحة الوطنية والشراكة الشعبية وبناء المصداقية عند المنافسين وغير المتعاطفين، العاقل هو من يحرص على أن يختلف العقلاء معه، وليس عليه، وهذا ما لا يحدث الآن». انتهى الاقتباس. هل غيّر هذا الكلام وغيره ونصائح الناصحين وهى كثيرة للغاية من أمر الرئيس شيئا؟ الإجابة: لا. لذا فإن الأصدقاء من الموالين لـ«فانلة» الإخوان والمستعدين للدفاع عن الرئيس، سواء أخطأ أو أصاب، عليهم أن يدركوا أن المشكلة عند رئيسهم أكثر من أى شخص آخر. وإذا كان التزامهم التنظيمى أو الأيديولوجى يملى عليهم الدفاع عنه، فإن التزامى الوطنى والدينى يملى علىّ أن أقول لمن أخطأ: لقد أخطأت واستمرار الخطأ يصبح خطيئة. والخطيئة السياسية تكلفتها عالية للغاية بالذات عند من لا يقدر الأمور بقدرها الصحيح. عرضنا فى الحلقة الأخيرة من برنامج «باختصار» كيف أن مؤيدى الرئيس والمحايدين تجاهه تحولوا تباعا من التأييد إلى المعارضة المرنة ثم الشرسة فى قطاعات عدة. أعطينا أمثلة محددة وبالتاريخ لكيفية تحول الكتلة الحرجة المؤيدة تباعا وبالتدريج كاستجابة لقرارات أو تصريحات من الرئيس أو من المحسوبين عليه. وكان من بين هؤلاء قطاع من قادة الرأى الذين أيدوه فى تفاهمات «فيرمونت» والإعلاميين والمواطنين الأكثر ثقة فى أجهزة الدولة السيادية (القضاة والجيش والمخابرات) من ثقتهم فى السياسيين، وغير المسيسين، وحتى بعض الإسلاميين ممن تحولوا عن دعم الرئيس. التحالف الذى حمل الدكتور مرسى إلى الحكم لم يعد قائما. وتراجع شعبية الرئيس دون أن يتدخل لاستعادتها يؤدى إلى تناقص شرعيته. لذا فإن «الرئيس مرسى» يتآكل لأن شرعيته تتآكل. المجتمع دائرة كبيرة، داخلها الدولة، والدولة الآن أضعف كثيرا من المجتمع، وداخل الدولة هناك السلطة، والسلطة الآن أضعف كثيرا من الدولة. وداخل السلطة هناك القيادة، والقيادة الآن أضعف من السلطة، وفى قلب القيادة توجد الرئاسة، والرئاسة لم تنجح فى أن تملأ مقعد القيادة ولم تستعن بمن يساعدها على ذلك. والرئيس لا يرى كل ذلك. ولهذا كانت المقولة التى ذكرتها فى مارس 2013: «هناك من بين الثائرين والمعارضين من يريد إسقاط الرئيس مرسى، وهو يساعدهم». هل من جديد؟ إنه يستمر فى مساعدتهم؛ لذا أطلب من الدكتور مرسى جادا أن يستجيب لطلبى الذى ذكرته فى مقال سابق لى: «رشح نفسك فى انتخابات مجلس النواب». النائب البرلمانى المعقول ليس بالضرورة رئيسا ناجحا. هذا لمصر، وليس لـ«مرسى». نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الرئيس مرسى» يتآكل «الرئيس مرسى» يتآكل



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon