معتز بالله عبد الفتاح
الدنيا ندرة واختيار وتضحية، كما يقول الاقتصاديون، بعبارة أخرى، عليك أن تختار بديلاً أو تجمع بين عدة بدائل إن أمكن، ولكن لا شك أنك بذلك تضحى ببديل آخر، لأنه من المستحيل أن تجمع بين كل البدائل فى نفس الوقت، وهذا هو معنى الندرة، لأن البدائل مهما كانت كثيرة فهى محدودة.
إن أردت أن تكون مع الغلاة فى المواقف من أى طرف، فستكسب قطاعاً منهم فى صفك وستخسر غيرهم، والعكس صحيح.
الإخوان الآن أمام ثلاثية الندرة والاختيار والتضحية، والبدائل أمامهم (كانت) أربعة نظرياً، ولكنها الآن أصبحت فقط ثلاثة بعدما حدث فى الأيام القليلة الماضية.
البديل الأول والمستبعد بحكم أحداث الأسبوع الماضى هو أن يفعلوا مثلما فعلت الأحزاب الإسلامية فى إندونيسيا، وصلوا إلى السلطة بعد «سوهارتو» عبر انتخابات حرة ونزيهة، التحديات كانت أصعب منهم، كوادرهم لم تكن مدربة ومستعدة على النحو اللازم، انتقدهم الكثيرون ممن تعاطفوا معهم لسوء أدائهم، لكنهم ظلوا قادرين على الإبقاء على أنفسهم أمام الرأى العام ككيان ديمقراطى يحترم قواعد اللعبة الديمقراطية ويمارسها بنزاهة إلى أن جاءت الانتخابات وتراجعت شعبيتهم تباعاً بعد أن اكتشف الكثيرون أنهم عنوان جذاب بلا مضمون حقيقى أو شعارات بلا برنامج، ولكنهم ظلوا جزءاً من اللعبة الديمقراطية يدخلون الانتخابات ويأخذون نصيبهم الذى يليق بهم. ولكن هذا البديل لم يعد قائماً لأنه كان يتطلب من الدكتور مرسى ورفاقه أن يكونوا أكثر قدرة على قراءة المشهد السياسى فى مصر.
البديل الثانى هو نموذج أربكان وأردوغان، وهو البديل الذى أوصى به الدكتور ناجح إبراهيم فى مداخلة تليفونية معى على برنامجى فى قناة «المحور»، حين أشار إلى نجاح حزب «الرفاه» فى الانتخابات البرلمانية عام 1996م بقيادة نجم الدين أربكان، ولكن عدم قراءة الرجل للمشهد السياسى المحلى والإقليمى والعالمى جعله يقع فى فخ غرور الفائز فى الصندوق، وهدد التقاليد العلمانية فى المجتمع التركى بما أحدث الانقلاب العسكرى الصامت، وأسقطت وزارة نجم الدين أربكان فى يونيو 1997م، ثم صدر قرار المحكمة الدستورية فى نوفمبر من العام نفسه بحل حزبه «الرفاه»، ومنعه من العمل السياسى. ولكن كان معه مجموعة من الشباب الذين قرأوا المشهد على نحو مختلف وقرروا أن يدخلوا السياسة من منظور النجاح الاقتصادى وليس من منظور الصراع السياسى، فنجحوا ونجح مشروعهم لحد بعيد بقيادة الطيب أردوغان. وبالتالى هذا البديل مطروح على الأجيال الوسيطة من «الإخوان المسلمين» أن يثقلوا رؤيتهم وأن يقدموا أفضل رجالهم، وأن يتخلصوا من السيرة التنظيمية التى تحد من طاقاتهم الإبداعية وأن يعيدوا النظر فى مقرراتهم ومدى اتساقها مع مجتمع متعدد ومفتوح. عليهم «واجب منزلى» داخلى كبير يبدأ من نقد الذات الراغبة فى الإصلاح وليس نقض الذات الراغبة فى الانتقام.
البديل الثالث هو خبرة الجزائر التى قامت على الدخول فى صراع مسلح وتطليق للمجتمع ولقيمه الأساسية بعد أن منعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الوصول للسلطة بعد أن أصابها نفس المرض: غرور الفائز فى الصندوق. واستمر الاحتراب الأهلى لعشر سنوات عجاف، انتهت بعشرات الآلاف من القتلى واعتقال الآلاف وتركت فجوة فى المجتمع الجزائرى لا تزال ماثلة حتى الآن. وهذا البديل ما كان ينبغى أصلاً أن يلوح به أى شخص من على منصات التأييد للدكتور مرسى قبل 30 يونيو أو بعدها لأنها ببساطة تهديد للشعب، والعاقل لا يهدد الشعب ولا يهينه ولكن يحاول أن يكسبه فى صفه وهو ما فشل فيه الإخوان: قيادة وجماعة وحزباً ولجاناً إلكترونية.
البديل الرابع هو بديل أدعوهم للتفكير فيه بإخلاص، وهو أن يتركوا العمل الحزبى وأن يتفرغوا للعمل الدعوى أو أن يتركوا العمل الدعوى وأن يتركوا العمل الحزبى. لا أقول هذا إلا لأن هناك نزعة واضحة عند البعض، سواء بحسن نية أو بسوء مقصد، للخلط بين قداسة الدين وقدرته على توحيد الجميع لكلمة سواء، وبين جاه السياسة وقدرتها على تفرقة الجميع على أسس شرعية. وأصبح ديننا وآيات قرآننا وأحاديث نبينا وفتاوى علمائنا ومساجدنا ساحات وأدوات للمغالبة والمنافسة والمكايدة والمعاندة على نحو أفسد ذات البين؛ فلا دينا التزمتم، ولا دنيا أصلحتم.
فكروا فى هذا الكلام. عسى أن يكون فيه ما يفيد.
نقلاً عن "الوطن"