توقيت القاهرة المحلي 00:23:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا تعلمنا فى العامين الماضيين؟

  مصر اليوم -

ماذا تعلمنا فى العامين الماضيين

معتز بالله عبد الفتاح

«لا ينبغى أن تأتى لنا كمفاجأة حقيقة أن معظم الديمقراطيات الناشئة تبدو ضعيفة، هشة، غير فعّالة، غير ليبرالية، وساحة للصراعات العنيفة. العديد من تجارب الدول الديمقراطية المستقرة كانت شديدة الصعوبة فى البدايات. لقد احتاجت فرنسا، وهى مهد الديمقراطية الأوروبية 150 عاماً من التجربة والخطأ المليئة بالصراعات والعنف حتى استقرت على مؤسسات ديمقراطية ناجحة». (شيرى برمان، أستاذة العلوم السياسية بجامعة كولومبيا، جورنال الديمقراطية، 2007). من دروس التاريخ الثابتة أن أياً من دول العالم التى أصبحت ديمقراطية اليوم تعثرت كثيراً على طريق الديمقراطية قبل أن تستقر. الولايات المتحدة مرت بحرب أهلية كادت تعصف بوحدتها وهددت بقاءها. فرنسا مرت بخمس جمهوريات قبل أن تصل إلى الصيغة الأخيرة (الجمهورية الخامسة) التى رغماً عن تحفّظات بعض الفرنسيين على بنيتها لكنها الأكثر استقراراً منذ الثورة الفرنسية. وهو ما نراه كذلك فى تراجع الديمقراطية وتحوّلها إلى فاشية أو تسلطية شمولية كما فى ألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، والمجر، وتشيكوسلوفاكيا (قبل أن تنقسم). كلها محاولات بدت واعدة فى مطلع القرن الماضى ثم تعثّرت بشدة، لكنها عادت، بعد تجارب مريرة، إلى طريق الديمقراطية مرة أخرى لتصبح فى النهاية ديمقراطية راسخة. والديمقراطية الراسخة (CONSOLIDATED DEMOCRACY) هى دول توصف بأنها «DEMOCRACY IS THE ONLY GAME IN TOWN»، أى أن قواعد اللعبة الديمقراطية مستقرة ومعروفة والكل ملتزم بها ولا خروج عليها، ولا تملك أى قوة سياسية منفردة عبر وصولها إلى السلطة إلا طرد القوى السياسية الأخرى التى تقبل الديمقراطية من الساحة السياسية، أو أن تقلل من فرصها فى الوصول إلى السلطة، ولا يمكن لأى جهة غير منتخبة ديمقراطياً أن تمارس حق النقض (الفيتو) على جهة منتخبة ديمقراطياً، طالما أن هذه الأخيرة تلتزم هى الأخرى بقواعد الديمقراطية. وهذا ما كرره كاتب هذه السطور على مدى العامين ونصف السابقين بأن الديمقراطية الحقيقية تعنى: ديمقراطية الوصول إلى السلطة، ديمقراطية ممارسة السلطة، وديمقراطية الخروج من السلطة. ثم يغلّف كل هذا إطار من الثقافة السياسية التى تؤمّن بهذه الصيغة وتعمل على أساسها، وترفض الخروج عليها. وقد احتاجت بعض الدول مائة سنة على الأقل والعديد من المحاولات قبل أن تقترب من هذه الصيغة. وهو ما لم يكن بعيداً عن أمريكا اللاتينية، حيث مرت دول مثل شيلى والأرجنتين والبرازيل وبيرو وفنزويلا، فى آخر مائة سنة بثلاث موجات للتحول الديمقراطى ولا نستطيع أن نزعم أنها وصلت إلى مرحلة الديمقراطيات الراسخة بعد. ربما تكون شيلى والبرازيل هما الأقرب، ولكن هناك بعض مؤشرات على ردة ديمقراطية فى بيرو والأرجنتين وفنزويلا. وفى آسيا، هناك العديد من الحالات للتحول الديمقراطى التى فشلت ثم تعافت مرة أخرى، وليس أقلها شأناً اليابان وكوريا وتركيا، وفى أفريقيا كذلك هناك حالات للتحوّل الديمقراطى فى غانا ونيجيريا وأوغندا التى لم تعانِ مشكلات على مستوى الديمقراطية فقط، ولكن على مستوى تهديد الدولة أيضاً. وهنا لا بد أن يكون واضحاً أن وحدة الدولة وسيادتها مقدمة على شكل نظام الحكم فيها سواء كان ديمقراطياً أم لا. بعبارة أخرى «حفظ الدولة مقدّم على حفظ الديمقراطية مثلما أن درء المفسدة مقدّم على جلب المنفعة» لأن الحاكم الذى جاء بأساليب ديمقراطية ثم لم يلتزم باستحقاقات الديمقراطية ويترتب على قراراته مخاطر انهيار الدولة وتهديد حدودها أو وحدتها وتحويلها من دولة لكل مواطنيها إلى دولة طائفية ويرفض اللجوء إلى الأساليب الديمقراطية نفسها لحسم القضايا الخلافية فيها يكون خطراً على الدولة وليس فقط خارجاً عن الديمقراطية. إذن من كل ما سبق، مصر الآن ليست بدعاً من الدول فى ما يتعلق بعدة قضايا: أولاً، طالما أننا حديثو عهد بالتحوّل الديمقراطى، إذن فالتجربة والخطأ والتعلم أمور واردة، على الأقل بالقياس على تجارب الدول الأخرى. ولكن شريطة أن نتعلم فعلاً، وألا نكون كمن يحفظ ولا يفهم. والواضح الآن أن كل من يحكموننا يقرأون من نفس الكتاب: كتاب الديكتاتورية حتى لو كانوا قد جاءوا للسلطة من خلال «الصندوق قراطية» أو من خلال «الشارع قراطية» أى من خلال حكم الصندوق الانتخابى أو من خلال حكم الشارع الاحتجاجى. ثانياً، نخبتنا لم تزل هى نكبتنا لأن تقارب قيم النخبة على أسس ديمقراطية وقدرتها على التفاعل والتفاهم وإدارة توقعات الناس وإقناعهم بالبدائل المتاحة أمامهم، كان هو السبيل الوحيد لأن تمر مصر بهذه التجربة العثرة بأقل قدر من الخسائر. والحقيقة أن الإطلالة على المشهد الليبى والمشهد التونسى والمشهد اليمنى يؤكد أن أمام العرب الكثير من الوقت قبل أن نعرف أننا لا نعرف، وأننا أجهل كثيراً مما نحاول أن نصور عليه أنفسنا، وأن الرؤية الاستراتيجية غائبة سواء عند من له ذقن طويلة أو ذقن قصيرة أو بلا ذقن على الإطلاق. ثالثاً، على أى حاكم جديد لمصر أن يعى أن بدائله محددة فى إما أن يُقنع أو يسمع أو يقمع أو يخلع. بعبارة أخرى: إما أن يقنع من يحكمهم بوجهة نظره، أو أن يسمع ويستمع لتفضيلات شعبه، أو أن يقمع هذا الشعب، وهو ما سيكون مستحيلاً مع أبناء الجيل الجديد من المصريين، أو أن يخلع، اختياراً أو اضطراراً، عباءة السلطة ويتركها لمن يستطيع أن يدير الدولة بما يحقق مصالح مواطنيها. هذه البدائل الأربعة، وبتوليفات مختلفة، هى «المينيو» المتاحة لمن فى السلطة. والقائد الحقيقى هو من يعول على «الإقناع والاستماع». رابعاً، الدكتور مرسى ورجاله وقعوا فى كل فخ نُصب لهم، وتجاهلوا كل نصيحة قيلت لهم، وأضاعوا كل فرصة لاحت لهم، بل تصرفوا بتقزيم شديد للدولة المصرية على نحو ما بدا فى المؤتمر الشهير الذى أسميته آنذاك «مؤتمر نُصرة سوريا وتقسيم مصر»، الذى بدا فيه وكأن الجماعة تقول، لقد انتُخب منا رجل للرئاسة وعلى هذا فسنأخذ مصر «أسرى صندوق» كما قلت آنذاك. ومن لا يدرك مواضع الخطر ولا يحسن التعامل معها يصبح هو من أسباب هذا الخطر ولا مجال له فى العمل السياسى. خامساً، لا ديمقراطية لأعداء الدولة المصرية، أى لمن لا يحترم سيادتها وحرمة دماء مواطنيها، ولا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية ممن يختزلونها فقط فى صندوق انتخابات وكأنه «صك إذعان» أو مناسبة لتخلى الشعب عن إرادته وعن حقوقه لمن يحكمه. الديمقراطية كلٌ متكامل فيها مبادئ وفيها إجراءات وفيها عمليات، ومن لا يفهمها على هذا النحو، فقد اختار أن يحولها من ديمقراطية حقيقية إلى تسلطية مستترة. التجربة حتمية، الخطأ وارد، التعلم ضرورة. هكذا الأمر مع آحاد الناس، ومع المجتمعات، ومع الدول. مررنا بأيام صعبة، وسنشهد أياماً أصعب قبل أن نعى أن أياً منا لا يملك منفرداً ولا يستطيع أن يحدد مصير البلاد والعباد. هل تعلمنا شيئاً فى العامين الماضيين؟ غالباً لا شىء. نقلًا عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا تعلمنا فى العامين الماضيين ماذا تعلمنا فى العامين الماضيين



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon