معتز بالله عبد الفتاح
كتبت بالأمس عن بدائل الدولة فى التعامل مع الإخوان، واليوم أنقل لحضراتكم ما سبق أن كتبت عن بدائل الإخوان فى التعامل معنا.
أولا، جماعة دينية معارضة تعمل تحت الأرض تسير على نمط مع مدرسة الخروج على الحاكم والثورة عليه، ويستقيم سياسيا مع الصورة التى يروج لها الأمن المصرى والمثقفون المتشككون فى التيار الإسلامى بصفة عامة والإخوان تحديدا. ولم تنجح الجماعة فى تبديد مخاوف الكثيرين وإثبات خطأ تصوراتهم بسبب تصريحات وتصرفات تضع الإخوان فى مواضع الشبهات بما فى ذلك مواقف الجماعة من الأقباط بين الذمية والمواطنة، وتجاه الهوية المصرية بين الذوبان فى خلافة أكبر، حتى وإن كانت خيالا، واستقلالها الذى طالما صارع من أجله كثيرون. فضلا عن بعض التصريحات التى توحى بأن للجماعة جناحا سريا مسلحا أو قابلا للتسلح عند الحاجة مثل الحديث عن عشرة آلاف مقاتل يرسلون إلى لبنان. وهى ليست من الخواص المتعارف عليها لأحزاب مدنية أو جمعيات خيرية وإنما هى عادة من خصائص الدول التى لها سياسة خارجية وواحدة من أدوات تنفيذها هى الأداة العسكرية.
ثانيا، جماعة دعوية خيرية غير مُسيّسة وهو ما يستقيم فقهيا مع مدرسة الصبر على الحاكم الظالم إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا بل ويستقيم مع فكر محمد عبده الذى كان يرى أن الجهود لا بد أن تنصرف إلى التربية والتعليم. وعليه، فقد طلق السياسة تطليقا معلنا: «لعن الله ساس ويسوس وسائس ومسوس»، ووضع برنامجا تفصيليا للتربية يمتد إلى خمسة عشر عاما، وحين سُئل عن طول الفترة قال إن خمسة عشر عاما فترة قصيرة لتربية أَمَة (أى فتاة)، فما بالك بتربية أُمة (بضم الألف). ولهذا المنطق وجاهته؛ فيوم أن يكون أحسن طبيب فى مصر إخوانيا، والطالب المثالى على مستوى الجامعات من الإخوان، وهكذا، ستضعف حجة مناهضيهم لأنهم لم يعودوا اسما بلا مضمون ولا شعارات بلا واقع، وإنما سيكونون طليعة الوطن بسلوكهم وليس بشعاراتهم، وبهذا تتكامل الجماعة مع الجمعيات الأخرى مثل جماعة السنة المحمدية أو الجمعية الشرعية.
ثالثا، الإخوان كجماعة ضغط معارضة دائمة. هناك جماعات الضغط التى لا تسعى إلى الوصول إلى السلطة ولكنها تسعى للتأثير فى قراراتها. وقد شبّه الأستاذ جمال البنا هذا الدور بنقابات العمال التى تدافع عن حقوق العمال دون أن تقوم هى بإدارة شئونهم. والإخوان كجماعة ضغط ومعارضة دائمة لا بد أن يعلنوا بوضوح أنهم لا يطمحون فى الأغلبية فى أى انتخابات عامة أو نقابية أو طلابية لكنهم فى نفس الوقت يقومون بدور المعارضة العاقلة التى تعتبر نفسها جزءا من ضمير الأمة المتدين دون أن تزعم لنفسها أنها تساوى الأمة.
رابعا، جماعة متحجرة تذبل وتتراجع على نمط الإسلاميين فى ماليزيا وإندونيسيا. ففى هاتين الدولتين، لا يحصل الإسلاميون على عدد كبير من الأصوات فى الانتخابات وكأنه لا يبدو أن هناك مبررا قويا لوجود أحزاب إسلامية قوية؛ فماكينة الدولة تعمل وطائرة المجتمع تحلق، فلماذا نصلح ماكينة تعمل بكفاءة عالية ونغير طاقم طائرة ناجحا؟ ولماذا نستدعى صراعات عن بنية الدولة وعلاقتها بالدين فى حين أن العقول والأيدى التى خلقها الله لتعمل أمامها من التحديات التكنولوجية والتعليمية والاقتصادية والمنافسة مع الكبار، كوريا واليابان وتايوان والصين.
خامسا، الإخوان كحزب مدنى محافظ: وكونه محافظا يعنى التخلى عن فكرة أن يكون حزبا «مدنيا ذا مرجعية إسلامية»؛ لأن كل الأحزاب لا بد أن تحترم جميع الأديان وعلى رأسها الإسلام والذى لا ينبغى أن تتناقض القوانين واللوائح مع قطعى الدلالة والثبوت من نواته الصلبة. والإخوان، إن فعلوا، سيسيرون على نمط حزب العدالة والتنمية فى تركيا. بيد أنه لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين، ولا تجديد بلا مجددين.
إن وضع الإسلام فى حلبة السياسة يخلط بين قداسة الدين وحسابات الدنيا؛ وقواعد الدولة المدنية تتطلب أن يقف الجميع على قدم المساواة عند نقطة البداية.
نقلا عن "الوطن"