معتز بالله عبد الفتاح
أزعم أننا قد نكون بحاجة لأن نفكر جدياً فى أن يكون دستورنا مؤقتاً مرحلياً انتقالياً لمدة عشر سنوات لتحقيق عدة أهداف.
أولاً: مناخ الاستقطاب الذى يصل إلى استخدام لغة التصعيد والإقصاء تجعل الدستور القادم أقرب إلى ساحة للنزاع والصراع، رغم أن المطلوب منه أن يكون خطوة فى طريق بناء الثقة بين الأطراف المختلفة.
فمثلاً ثورة بولندا فى عام 1989 لم تؤد إلى إصلاحيات دستورية فورية، وإنما بدأت عملية الإصلاحات الدستورية والسياسية الأولية فى عام 1992 وأتت بـ«ليخ فاونسا» إلى السلطة فى ذلك العام ثم تم إقرار الدستور الجديد فى عام 1997، ورغم وجود حركة تضامن بما تمثله من ثقل سياسى كبير فى الحياة السياسية ووجود ليخ فاونسا كزعيم عمالى له مصداقية عالية بين الثوريين، فإن التشرذم الشديد فى توزيع مقاعد الهيئة التأسيسية للدستور عطل العملية برمتها، فقد تم انتخاب مجلس تشريعى يتكون من مجلسين بمجموع 560 عضواً فى عام 1990. قام هؤلاء بتكوين لجنة من 56 شخصاً لصياغة الدستور، وتجسدت داخل اللجنة التباينات الشديدة فى التوجهات الأيديولوجية، ولذا فشلت اللجنة مع الهيئة التأسيسية فى الوصول إلى نتيجة، فتراضوا على ما سموه «THE LITTLE CONSTITUTION» أو «الدستور البسيط» بعد عامين من المناقشات وهو أقرب إعلان دستورى طويل نسبياً. وبعد انتخابات أخرى فى عام 1993 تم تشكيل لجنة جديدة منبثقة مرة أخرى من المجلس المنتخب، استمعت إلى جميع وجهات النظر بما فيها الأحزاب التى لم تفز فى الانتخابات، لكنها كانت تعبر عن التيار الرئيسى فى المجتمع بالأساس. انتهوا إلى مشروع دستور، تم التصويت عليه فى البرلمان، حصل على أغلبية 90 بالمائة فى البرلمان، ثم تم عرضه فى استفتاء عام، وحصل على دعم 57 بالمائة من الأصوات. وأرجو ملاحظة أن التوافق لم يكن موجوداً فى الاستفتاء الشعبى حتى لا نعتقد أن نتيجة الاستفتاء لو جاءت بأقل من 80 بالمائة فهذا سيعنى حرباً أهلية من وجهة نظر البعض.
ثانياً: الانحراف عن خريطة الطريق تجعل عملية كتابة الدستور وكأنها جزء من مؤامرة وصراع إرادات طائشة بين متآمرين وليس شركاء فى وطن، كلهم منزعجون على مستقبل البلاد الذى يصبح مرهوناً بمن هم الذين سيكتبون الدستور، ومن الذين سيختارونهم، وما الذى سينتهون إليه. واستناداً لما سبق، فإنه ليس بعيداً عن الخبرات المعاصرة أن تحتاج بعض الدول لأكثر من ١٠ سنوات كى تكتب دساتيرها، وكانت نواياهم الطيبة، كما نوايانا الآن، أن تتم كتابة الدستور فى بضعة أشهر أو سنة على الأكثر.
ثالثاً: احتقان النخبة وانفصالها عن الشارع ليس مناخاً صحياً لكتابة دستور دائم لا سيما بعد أن بدا واضحاً أن قطاعاً من النخبة المثقفة كلما وجدت نفسها فى موقع الأقلية المغلوبة رغم منطقية ما تطرحه من أفكار فهى تنزع إلى إشاعة الذعر فى المجتمع. وفى ظل هذا الانفصال بين النخبة والشارع، وفى ظل الحرب الأهلية الفكرية فسيكون من الصعب الحديث عن توافق.
رابعاً: لا بد من مساحة زمنية كى يهدأ الغبار من الجو، ولاستقرار النفوس، والتقاط الأنفاس، والتركيز على مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية الملحة وإعطاء فرصة لعمل مؤسسات الدولة لمدة 10 سنوات كى نختبر كفاءتها، مع جولتين جديدتين من الانتخابات الرئاسية والتشريعية، قبل الوصول إلى دستور مصر الدائم.
إذن، ولتكن شدتنا فى الحق شدتين، كان عنوان مقالى بعد نتيجة استفتاء مارس 2011 مستحضراً كيف أن اختلف الصحابيان العظيمان أبوبكر وعمر بشأن حروب الردة، وكيف أنهما فى النهاية احتكما لما فيه مصلحة الأمة. وحدة الأمة على قيمها العظمى فرض، أما الوسيلة فهى نفل.
وعليه أنا أقترح، بتواضع، أن نحذف من الدستور الحالى كل المواد الخلافية وأن نضع فقط كل المواد موضع الاتفاق حتى لا ندمر البقية الباقية من تماسك الشعب المصرى ونضيف النص التالى، أو ما هو أفضل منه، إلى الباب الأخير من الدستور: «تتم مراجعة هذا الدستور بعد عشر سنوات من تاريخه بناء على نتيجة استفتاء شعبى بوضع دستور جديد أو استمرار العمل بهذا الدستور».
هذا الكلام التافه جزء من مقال كُتب فى مارس 2012.
"الوطن"