معتز بالله عبد الفتاح
بعد المؤتمرات الصحفية لمسئولين مصريين، يحاول البعض من الباحثين والإعلاميين الغربيين تحديداً أن يشككوا المصريين فى أن ما حدث فى 30 يونيو ثورة حقيقية أو موجة ثورية مكملة لثورة 25 يناير فى مقابل الترويج لفكرة الانقلاب. والاختلاف بين الثورة والانقلاب فى الثقافة السياسية الغربية مثل الاختلاف بين الزواج والزنا فى الثقافة الاجتماعية الشرقية. وما استفزنى فعلياً هو محاولة الغربيين أن يفرضوا علينا رؤيتهم لسيرتنا ومسيرتنا ومستقبلنا تحت دعوى أننا نحن المصريين «نلعب بالكلمات» وكان ردى عليهم سهلاً بالعودة إلى تاريخنا وبالعودة إلى تاريخهم بالعودة إلى تاريخنا، فعملياً كل التطورات الكبرى التى شهدتها مصر كان الجيش حاضراً فيها بقوة باستثناء ثورة 1919. مثلاً ثورة 1881 قام بها الضابط المصرى أحمد عرابى وجنود فرقته وساندها المصريون وكانت نقطة البداية من الجيش، وكان الخديو توفيق ومن معه يسمونها «تمرداً» وكانت أدبيات تلك الفترة تسميها «هوجة عرابى» حتى أعاد بعض الكتاب وعلى رأسهم الأستاذ العقاد الاعتبار لـ«عرابى»، رغماً عما كان فى مواقفه الشخصية من بعض علامات الاستفهام. وما قامت إلا بسبب سياسات كثيرة خاطئة تبناها الخديو وحاشيته وأيد المصريون فيها «عرابى» وخلقت حراكاً سياسياً انتهى بدستور كاد ينقل مصر إلى الديمقراطية الحقيقية لولا خيانة الخديو واحتلال الإنجليز لمصر. وثورة 1952 قام بها الضباط الأحرار بقيادة بكباشى فى الجيش اسمه: جمال عبدالناصر حسين، لم يكن يعرف به معظم المصريين وصولاً لأن يصبح أحد أهم الساسة فى مصر وعالم الجنوب فى القرن الماضى. وكان الضباط الأحرار أنفسهم يطلقون عليها «الحركة المباركة» وكان أنصار الملك يقولون عنها «انقلاباً عسكرياً» ولكن قبول عوام المصريين جعلت منها «ثورة» فى عرف المصريين حتى وإن كانت شرارتها الأولى من بعض ضباط الجيش وجنوده. ومرة أخرى، تدخل الجيش وتأييد المصريين له كان نتيجة لانحراف الملك عن دستور 1923 وهزيمة الجيش فى 1948 وما حدث من نزول جماعى فى 25 يناير ثم فى 30 يونيو يجعلنى أرى الكثير من ملامح التشابه، فهما إما ثورتان أو انقلابان. وأعلم الكثير من محاولات النصح التى كان يقوم فيها الفريق «السيسى» مع الرئيس «مرسى» واللواء العصار مع بعض معاونى الرئيس دون جدوى. ولكن الساسة المصريين، منتخبين أو غير منتخبين، يقرءون من نفس كتاب المعاندة والمكايدة والمكابرة والمزايدة هذا عن تاريخنا أما من تاريخ الغرب، فالأمثلة كثيرة بشأن الجدل اللفظى والتوصيف السياسى للأحداث الكبرى. واكتفيت فى حوارى معهم بثلاثة أمثلة الملك الإنجليزى جورج الثالث ومن معه كانوا يرون المقاتلين الأمريكيين «انفصاليين» فى حرب أهلية بين إنجلترا ومستعمرات تملكها، فى حين كان يرى جورج واشنطن ومن معه أنفسهم باعتبارهم «زعماء تحرر وطنى» ضد احتلال أجنبى. وفى النهاية انتصرت إرادة الشعب الأمريكى وقرروا لأنفسهم أن 4 يوليو 1776 هو «عيد الاستقلال». وحين قرر الرئيس الأمريكى فرانكلن روزفلت أن يخوض الحرب العالمية الثانية فى عام 1941 أعلن أن الولايات المتحدة ستقوم بإرسال قوات إلى أيسلاندا التى تبعد آلاف الأميال عن أمريكا الشمالية مدعياً أنها «جزء» من أمريكا الشمالية وكان قد وعد أثناء حملته الانتخابية أنه لن يرسل قوات أمريكية خارج حدود أمريكا الشمالية أبداً. وادعاؤه كان جغرافياً خطأ، ولكنه بنى عليه قراراً سياسياً خطيراً انتهى بالولايات المتحدة أن تكون قائدة «العالم الحر» فى الحرب العالمية الثانية. وقبل الأمريكيون بقراره ذاك آنذاك. وكان المثال الثالث هو مقولة بريطانية شهيرة تقول: «الإرهابى من وجهة نظر شخص ما هو محارب من أجل الحرية من وجهة نظر شخص آخر»، وكان مقامها أن أحد المنتسبين للجيش الأيرلندى اغتال عضواً فى البرلمان الإنجليزى، فأرسلت المخابرات البريطانية أحد عملائها ليقتله، فقتله. وكان القاتل الأول من وجهة نظر الأيرلنديين بطلاً، ومن وجهة نظر الإنجليز إرهابياً، والعكس مع الشخص الآخر إذن، المصريون سيكتبون قصتهم بأنفسهم، وسيطلقون الألفاظ التى تعكس تفضيلاتهم دون وصاية من أحد. لكن لماذا الإصرار الغربى على «قتل» إرادة المصريين والمتاجرة بالدم المصرى الحرام؟ هذه قصة الغد.