معتز بالله عبد الفتاح
إحدى المواد التى كان لى عليها تحفظات فنية فى دستور 2012، كانت تشكيل مجلس الشورى، لأن الجمعية التأسيسية لم تهتم بتشكيله واعتبرت أن التمايز فى تشكيله بأن يكون عضو مجلس الشورى حاصلاً على درجة جامعية أعلى.
ودعونا نناقش المسألة على أكثر من بُعد. مجلس الشعب كغرفة وحيدة للبرلمان ستكون مطالبة بمهام الرقابة والتشريع وما اعتاد عليه المصريون من خدمات للمواطنين، وغالباً ستظل تلعب ثلاثية: المال والدين والقبلية دوراً فى تشكيل المجلس، لا سيما فى المحافظات غير الحضرية. وبالتالى سنواجه مشكلة أنه سيكون مجلساً فيه قطاع كبير ممن دخلوا المجلس وفقاً لعلاقة الزبائنية التقليدية: أى النائب زبون الحكومة التى بيدها المنع والمنح له ولدائرته. وهو ما يعنى تراجعاً حاداً فى قدرة المجلس على أن يقوم بدوره فى تشكيل الحكومة ثم الرقابة عليها. وما أثبتته النخبة السياسية المصرية من نزعة متأصلة للمكايدة والمعاندة ستجعل وجود مجلس واحد يقوم بهاتين المهمتين مخاطرة غير مأمونة العواقب، لا سيما أن الخبرات الفنية والحكمة السياسية ستغيب عنه لصالح الولاء الحزبى أو الإنفاق المالى أو التعصب القبلى أو التدين الشكلى.
إذن نحن بحاجة لمجلس شورى لا يخضع لهذه الحسابات كلها. لذا كانت العودة لمشروع دستور 1954 للاستفادة منه بأن يكون تشكيل مجلس الشورى وفقاً للمادة المقترحة التالية:
يتألف مجلس الشورى على النحو التالى:
(أ) مائة عضو على الأقل تنتخبهم من بين أعضائها الجامعات والنقابات واتحادات نقابات العمال والغرف والجمعيات والهيئات التى تنظم المشتغلين بالزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والمهن الحرة والجمعيات الأهلية، على أن يكون ثلثهم على الأقل من النساء. ويحدد القانون الإجراءات اللازمة لانتخاب هؤلاء الأعضاء.
(ب) عشرون عضواً على الأكثر يعينهم رئيس الجمهورية، بناء على اقتراح مجلس الوزراء، من أصحاب الكفاءات العلمية والفنية. ويُختارون من بين رؤساء الوزارات والوزراء السابقين وأعضاء مجلسى الشعب والشورى السابقين وكبار العلماء والمؤسسات الدينية والقضاة والدبلوماسيين وضباط القوات المسلحة المتقاعدين والموظفين العامين من درجة رئيس قطاع فأعلى ورؤساء وأساتذة الجامعات.
(ج) عشرة أعضاء على الأقل، ينتخبهم المصريون المقيمون بالخارج على النحو المبين بالقانون.
(د) ويُعين عضواً فى مجلس الشورى مدى الحياة كل رؤساء الجمهورية السابقين المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية ما لم يكونوا قد أسهموا فى إفساد الحياة السياسية أو صدرت ضدهم أحكام تخل بالشرف.
هذا التشكيل يخدم عدة أغراض:
أولاً، هو يعطى فرصة لتمثيل الكفاءات الفنية والمتخصصة، التى سيكون من الصعب نزولها انتخابات مجلس الشعب.
ثانياً، هو يعطى مساحة لانتخاب على الأقل خمسين سيدة من بين هذه الكفاءات فى الأماكن التى لهن فيها تميز نسبى بحكم نجاحهن فى أماكن عملهن.
ثالثاً، هو يعطى مساحة للاستفادة من المخزون الاستراتيجى للخبرات المختلفة التى تراكمت قدراتها عبر سنوات طويلة فى أجهزة الدولة؛ لأن هؤلاء عادة ما تكون لديهم «ذاكرة مؤسسية» تسمح لهم برصد المشاكل المحتملة وتقديم مقترحات بناءة لا تتوافر عنها خبرات فى أعضاء مجلس الشعب.
رابعاً، تمثيل المصريين فى الخارج من خلال مرشحين لهم؛ لأن التواصل مع هؤلاء والاستفادة منهم ترتفع بهم أقوام وتنحدر بهم أمم. دول مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية، ولن أقول إسرائيل، تعتمد بشكل كبير على أبنائها فى الخارج كى ينقلوا الخبرات والتكنولوجيا ورؤوس الأموال من الخارج إلى الداخل.
سلبيات وجود مجلس الشورى تتمثل تحديداً فى أمرين: تكلفة مالية أكبر، وتعطيل بعض القوانين. والحقيقة أن كليهما حجج يمكن التأمل فيها. أى قانون يخرج بدون دراسة كافية من مجلس الشعب يمكن أن يكلف الدولة أضعاف تكلفة تشكيل وتفعيل مجلس الشورى. ثانياً، تعطيل القوانين بغرض المزيد من الدراسة ليس تعطيلاً فى تقديرى، إلا إذا كنا سنضع معايير صارمة تضمن أن يكون هناك ما يكفى من كفاءات فى مجلس الشعب.
إذن رأيى المتواضع أن يكون مجلس الشورى أكثر تنوعاً وتخصصاً، ألا يكون انتخابه مباشرة من الشعب، يتم تفعيله بأن تمر عليه كافة مشروعات القوانين، أن يكون اختصاصه التشريعى أكبر من اختصاصه الرقابى. ويمكن تأجيل انتخاب مجلس الشورى لعدة سنوات حتى لا يكون عقبة فى طريق استكمال المرحلة الانتقالية.
ونسأل الله الإخلاص والسداد والتوفيق.
نقلاً عن "الوطن"