معتز بالله عبد الفتاح
بعد هذا الكم من الخطب التى تأتى من أشخاص محسوبين على التيار الإسلامى، سواء من قطر أو من القاهرة، بعدم طاعة الجنود والضباط للقيادات، والمقارنة بين الجيش المصرى والجيش الإسرائيلى للانتصار للثانى على حساب الأول، أتساءل: هل هؤلاء لا يعرفون الشعب المصرى؟ هل يظنون أن المصريين سينقلبون على «الجيش» من أجل «الجماعة» أو على «النظام» من أجل «التنظيم»؟ جيشنا ليس من الملائكة وقد يخطئ قادته، لكنه جيش مصر، ولن يكون هناك سوى جيش واحد فى مصر، والجيش يعنى الانضباط، وإصلاحه يكون من داخله وليس بالخروج عليه. هل تريدون مصيرا كمصير سوريا؟ أين الوطنية؟ وأين الإسلام فى ذلك؟
ألا يوجد بين قيادات الإخوان من يعرف كيف يتخذ مواقف وطنية شجاعة تجعلنا جميعا نقول ربما نكون ظلمناهم، أم أن خطتهم أن يزدادوا تلاحما فيما بينهم واغترابا عن المجتمع، أم لا توجد خطة وإنما هى حالة من «الاستغباء السياسى» المصحوب باستسهال الدماء؟
قال لى أحدهم: ما الخطاب السياسى الذى تراه أفضل فى هذه المرحلة؟ فاستعرت روح إحدى خطب «غاندى» بعد حادثة مقتل العديد من أتباعه فى منتصف الثلاثينات، لكن حكمته وبُعد نظره جعلاه يحقن دماء كثيرة كانت من الممكن أن تسيل لو كان يتخلق بأخلاق المشايخ والدعاة والسياسيين المصريين. هل يوجد فى جماعة الإخوان أو حتى فى مصر كلها «غاندى»؟
تعالوا نحاول أن نتخيل «غاندى» لو كان زعيما لجماعة الإخوان المسلمين الآن، ماذا يقول؟
«أيها الإخوة المواطنون من مؤيدى جماعة الإخوان المسلمين ومن معارضيها.. السلام عليكم ورحمة الله..
تواجه مصر مخاطر تهدد بلدنا الذى هو أعز علينا من غيره. هناك من ينال من أمن مواطنيها، فيستحل دماء أبنائها ويقوض دعائم دولتها ويشق صف مجتمعها باسم الدفاع عن الشرعية أحيانا وباسم الدفاع عن الشريعة أحيانا وباسم القصاص للشهداء أحيانا. ونحن نعلن للجميع أن مصر الوطن ومصر المجتمع ومصر الدولة لا ينبغى أن تكون موضع مفاضلة مع أى جماعة أو حزب أو فرد مهما علا شأنه أو ارتفع قدره.. وطننا هو وطن الجميع، إخوان وغير إخوان، ولا نملك إذا كنا بالفعل «مصريين» وبالفعل «مسلمين» إلا أن نعلى قدره ومكانته فى قلوبنا حبا له ولأهله، وأن نعلى أمنه واستقراره فى عقولنا احتراما له ولأهله.
يا أيها الإخوان ويا أيها المدافعون عن الشرعية وعن الدين وعن الشهداء، لا يكون إصلاح المفسدة بمفسدة أكبر.. ومصلحة مصر الآن تقتضى منا جميعا أن نقف وقفة رجل واحد من أجل خيرها وخير أبنائها ضد الإرهاب والعنف وضد كل ما ينال منها ومن استقرارها.. قد أفسدت الانقسامات السياسية روابط التراحم بين الناس ومزقت الأسرة الواحدة، وليس هذا من الإسلام ولا من الوطنية.
إلى كل من بايعنى كمرشد عام للإخوان المسلمين، فبحكم هذه البيعة أطلب منه:
أولا: أن يكف عن الاستقواء بالخارج؛ فمصر للمصريين فقط وليس لغيرهم، ولا ينبغى أن يكون الإخوان هم من يأتون بالأجانب إلى مصر كى يعيثوا فيها عبثا وفسادا، ولا أن ينفذوا مخططاتهم الدنيئة لتقسيم البلاد وإشاعة الحرب الأهلية والفوضى بين أهلها. إن الإخوان يرفضون تدخل أى طرف أجنبى فى الشأن المصرى. ونقول للأجانب من الغرب والشرق: كفوا أيديكم عن مصر، فمصر إن جار أهلها علينا عزيزة، وأهلُها إن جاروا علينا كرام.
ثانيا: سيناء مصرية، كانت مصرية وهى مصرية وستظل مصرية، وأى مصرى أو غير مصرى يمارس فيها العنف أو يطلق رصاصة على مصرى، مدنى أو مجند، أو يفجر قنبلة فى منشأة خاصة أو عامة، مدنية أو عسكرية، فنحن منه براء فى الدنيا والآخرة. ونطلب بل وندعم أجهزة الدولة المصرية وكل المواطنين المصريين فى التصدى لهؤلاء لأنهم إن يريدون إلا إفسادا.
ثالثا: كفى دماء مصرية تُهدر بأيدٍ مصرية. إن الدماء الزكية التى أُهدرت خلال السنوات الماضية كلها، بدءا من ثورة 25 يناير وحتى الآن من المدنيين والمجندين، نحسبها عند الله دماء شهداء. وعند الله سنصدر مصادر شتى وسنبعث يوم القيامة على نياتنا. وكل نفس بما كسبت رهينة.
رابعا: ...».
انتهت الخطبة الافتراضية ولم تنته محنة المصريين.
نقلاً عن جريدة "الوطن"