معتز بالله عبد الفتاح
إلى زملائى الملتحقين بالجامعات، ستقضون أياماً وشهوراً فى الجامعة، وهى مرحلة فارقة فى حياتكم، إما أن تضيف إليكم أو أن تخصم منكم. وكما جاء فى الأثر: «الدنيا سوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر»، وكذا الأمر بالنسبة للجامعة.
لذا أوصيك بما يلى:
أولاً، لا تسمح للآخرين أن يوقعوك فى وهم «الواسطة المطلقة»، نعم هناك من يعمل بالواسطة، ولكن هناك كثيرون يعملون بكفاءتهم. وأرى مجتهدين كثيرين وموهوبين حقيقيين يصلون إلى أعلى المناصب باجتهادهم وموهبتهم. لو أنا صاحب مصنع أو شركة، فأنا أريد لها أن تنجح وهى لن تنجح بغير الأكفاء. الواسطة للمفاضلة بين المتوسطين فى القدرات والكفاءات، ولكنها لن تجدى حين يكون الأمر مرتبطاً بالقدرات والمهارات. وفى كل الأحوال: اعمل بجد وتوكل على الله، «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْراً».
ثانياً، كم ساعة تستذكر أو تنوى أن تستذكر يومياً؟ إن كان أقل من 3 ساعات فى المتوسط، فاعلم أنك مقصر، لماذا ثلاث ساعات؟ لأن هذا هو المعدل المطلوب فى المتوسط من الطالب فى العالم، كم كتاباً فى تخصصك تقرأ بالإضافة للكتب المقررة عليك؟ إن كان أقل من 12 كتاباً فى الفصل الدراسى الواحد، فاعلم أنك مقصر؛ لأن هذا هو المتوسط المطلوب من الطالب فى معظم الجامعات الغربية (وقطعاً المسألة تتفاوت من حقل معرفى لآخر).
ثالثا، مَن قدوتك مِن داخل تخصصك؟ إن كنت فى كلية الهندسة أو الطب، وكان تخصصك الداعية فلان الفلانى أو السياسى علان العلانى، فاعلم أنك مقصر. لا تنهض أمة بأن يتحول كل مهندسيها ومحاسبيها وأطبائها وعلمييها إلى دعاة أو محللين سياسيين أمام شاشات التليفزيون وكتّاب على صفحات الجرائد. الحقيقة، أن العكس هو الصحيح. بناة النهضة الحقيقيون يكونون أكثر انشغالاً بدقائق تخصصاتهم من أن يبذلوا الغالى والرخيص كى يعرف الناس بهم لدورهم خارج تخصصاتهم، وإنما الأهم أن يعرف الناس بإنجازاتهم بما يعنى أنه لا بد من وجود إنجاز ابتداء، ولا تفتتن بمن ترك تخصصه لكى يلقى دروساً فى الدين أو يترك مهنته الأصلية كى يعمل مذيعاً فى التليفزيون، لو فعلنا كلنا ذلك، لانهارت الأمة تماماً. لا نريد أن ننتهى بكلياتنا العملية والعلمية وكأنها معامل لتفريخ المتخصصين فى قصص الأنبياء والضالعين فى دقائق الفقه على أهميتها. التوازن مطلوب. سلامة العقيدة وحسن الخلق وإقامة الشعائر هو الكافى والضرورى لكل ملتزم بتعاليم دينه.
رابعاً، كم ساعة تجادل مع آخرين بشأن الصراعات السياسية يومياً؟ لو أكثر من 10 دقائق، اعرف أنك تضيع وقتك وتخسر أصدقاءك لأننا لدينا انسداد فى الشعيرات الحوارية. اعمل حاجة أفيد كأن تقرأ فتتعلم قبل أن تقرر أن تُعلم الناس.
خامساً: تدين وتثقف دينياً، ولكن لا تجعل أحداً يوهمك بأنه المتحدث باسم «الله» على الأرض، المتدين الحق يُعرف بزهده وليس بنهمه على ما أمر أن يزهد فيه. لو صدق هؤلاء النية واستحقوا النصر، لنصرهم الله من زمن، «وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ».
سأختم بمعلومة علها تفيدنا جميعاً، منذ أشهر تواردت إلينا الأنباء بأن طلبة جامعة «آزاد» الإيرانية استعرضوا سيارة شمسية من صنعهم تبلغ سرعتها 135 كم فى الساعة. معامل العالم تعمل، وعلماء العالم يبدعون، ونحن لسنا أقل من هؤلاء. لطالما ذكرنا نجاح الآخرين من كوريا إلى ماليزيا. وهؤلاء ما كانوا ليتفوقوا إلا بالتفانى فى العمل.
تخرجوا من الحضانة، تخرجوا من الابتدائى، لا تضيعوا أوقاتكم فى محاضرات التشجيع والتحميس وتفتيت المفتت وتصغير المصغر وتكبير المكبر. لا تضيعوا طاقاتكم فى البديهيات. اكتب فى وريقات صغيرة ما يحمسك على العمل من دعاء وأخبار وأشعار ثم ابدأ فى كتابة خطة عملك لليوم والغد، ثم اجتهد فى تخصصك.
ولو عندك أى سؤال لى بعد قراءة هذا العمود: إجابتى واحدة: لا تضيّع وقتك، اذهب إلى كتبك وافتحها، اذهب إلى مكتبة جامعتك لتطلع على مراجع تخصصك. أقم نفسك حيث أقامك الله. لا تفكر فى جدوى العمل: ذاكر، اعمل، اجتهد. إن فعلت ذلك، لن تجد وقتاً للتشكك فى جدوى العمل. وقل: «ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم».
نقلاً عن "الوطن"