معتز بالله عبد الفتاح
كتب الصديق أيمن الصياد فى جريدة الشروق بالأمس القريب ما نصه:
«وبعد..
فهذا هو السادس من أكتوبر.. ولليوم فى روزنامة التاريخ أربع صور:
* الأولى ١٩٧٣: جندى مصرى يُثَبِّت العَلمَ أعلى تلة على الضفة الأخرى للقنال، التى كانت مياهها قد امتزجت (ثمنا للعبور المستحيل) بدماء (مصرية) لا فرق فيها بين مسلم ومسيحى، أو بين غنى وفقير، أو بين قادم من مدن الدلتا أو من نجوع أقصى الصعيد.
* والثانية ١٩٨١: رصاصات لإحدى جماعات (الإسلام السياسى) تقصف منصة العرض العسكرى، فتقضى على السادات (القائد الأعلى) وبعض ممن معه.
* والثالثة ٢٠١٢: سيارة مكشوفة تجوب استاد القاهرة تحمل رئيساً للدولة جاء من كبرى جماعات (الإسلام السياسى)، فى احتفال (حاشد)، كانت (الجماعة) فيه هى الحاضرة. فيما غاب الآخرون.
* والرابعة ٢٠١٣: (الجماعة) ذاتها اختارت اليوم (ذاته)، لتتنادى، لا إلى احتفال بل إلى تظاهرة بدت (بشعاراتها وهتافاتها) وكأنها تفسد على المصريين شعورهم بيوم أعاد لهم عزتهم وكرامتهم.
أربع صور ليوم واحد (السادس من أكتوبر) فى سنوات مختلفة. والحاصل أن التاريخ لا يجمع (الصور) ليضعها فى ألبوم الذكريات. بل ليرسم من ظلالها وألوانها وتفاصيلها (الفسيفساء) الحقيقية للمشهد.. التى لا بد من تجميعها.. لنفهم».
الرسالة، فى ما يغلب على ظنى، أن جماعة الإخوان والمتحالفين معها لا يدركون أنهم يزدادون تلاحما ويجعلون الطرف الآخر أيضا يزداد تلاحما ضدهم. مع أن السياسى الشاطر يجعل أنصاره يزدادون تلاحما ومنافسيه يزدادون انقساما. وهى نفس المنهجية التى اتبعها الدكتور مرسى والجماعة حين كانوا فى السلطة وحذرنا منها عشرات المرات، لا أحد عاقل يوحد كل أو أغلب الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والثوار والفلول ضده ويظن أنه يدخل فى إطار حسن تدبير وإدارة شئون الدولة.
ونفس الأخطاء تتكرر.
فى حوار مع صديق نافذ كان قد ترك الجماعة من فترة ثم عاد للدفاع عنها مؤخرا، تبين لى أنه اختار أن يفكر بمنطق أن هناك بالفعل شعبين: شعب السيسى وشعب مرسى. بل إنه أصبح أكثر ضراوة فى حنقه على الشعب المعارض له لأنه أيد «انقلاب السيسى على مرسى»، فكان سؤالى: وألا ترى أن مرسى انقلب على الشعب حين وعد ولم يفِ، حين تحدى الإرادة الشعبية فى قرارات كثيرة لم تكن مدروسة؟
أقول محذرا، رغما عن أن خبرتى مع الجماعة لم تكن مشجعة فى استماعهم لى: الجماعة الآن تنتقل من حل الجماعية (وهو قرار قديم اتُّخذ من قبل ثورة 1952) إلى حظر أنشطتها (وهو حكم محكمة حديث) إلى «تجريم» الانتماء إليها والتعامل معها على أنها تنظيم خارج عن القانون بحجة دعم الإرهاب. ولو حدث هذا، وهو ليس أمرا مستبعدا، ستكون هناك ملاحقات قانونية لمن ينتمون إلى الجماعة وقد يفقد الكثيرون حريتهم ومصادر رزقهم. أقول هذا ناصحا بأن يفكر كل طرف فى اختياراته وقراراته والنتائج المترتبة عليها.
هناك أوضاع استقرت بعد 30 يونيو من يتجاهلها فهو إما أنه يريد أن يدخل فى حرب مفتوحة مع الدولة والمجتمع وإما أنه لا يدرك ما الذى يفعله وما الذى هو مقدم عليه.
فى الخامس من أبريل 2013، كتبت مقالا فى هذا المكان قلت فيه: «أحذر الدكتور مرسى ومن يحيطون به تحذيرا واضحا وصريحا من شخص لا يتمنى لهم الفشل: أنتم تلعبون بالنار، وأنتم لستم ماهرين، وتنتجون نفس أسباب الحنق التى أدت إلى الثورة السابقة رغما عن استيفاء الإجراءات الشكلية على نحو أفضل. إن هذه النار ستحرق الجميع. أصوات التشدد داخل الترويكا الحاكمة وضعتنا جميعا فى مباراة صفرية، الفائز فيها هو من خسائره أقل، لكن الكل يقينا خسران».
أكرر هذا الكلام لأن قيادات الجماعة تقتل أبناءها بأن تزج بهم فى معركة لا أعرف ما الذى ستنتهى إليه، إلا المزيد من الخسائر لها وللوطن. وأقولها بوضوح: لن يكسب أى فصيل أو جماعة حربا ضد هذا التكتل الضخم من قطاعات واسعة من الشعب ومؤسسات الدولة. هذه خسائر متبادلة واستنزاف متبادل وإنهاك متبادل وصولا لأن تكون حرب استئصال كاملة للجماعة، وهذا وارد تماما خلال الفترة المقبلة ما لم تتراجعوا.
نقلاً عن جريدة "الوطن"