توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شهر العسل انتهى

  مصر اليوم -

شهر العسل انتهى

معتز بالله عبد الفتاح

«عم محمود» كان يعمل سائقاً لأتوبيس مترهل من أتوبيسات القاهرة الكبرى ثم أصبح يعمل سائقاً على سيارة «تاكسى أبيض»، وقد ركبت معه ذات مرة وشاء القدر أن يقوم قائد أتوبيس بجوارنا بحركة بهلوانية أفزعتنى. وكان رد «عم محمود» مفسراً لما قام به السائق بأنه أكيد كان يفتدى شخصا أو شيئا، وقد أوضح الرجل أن قائدى السيارات الملاكى لا يتصورون الصعوبات التى يلاقيها قائد الأتوبيس.استمعت من الرجل باهتمام، ووجدت فى كلامه بعضا من المنطق حتى إن لم أعِش التجربة كاملة.التجربة السابقة مدخلى للحديث عمّن يتولى السلطة فى دولة بحجم مصر. ومن لم يحضر اجتماعا لمجلس الوزراء أو مجلس المحافظين أو أى من اللجان الوزارية قط، سيتخيل أن إدارة الدولة فى مصر مثل إدارة أى شركة أو مصنع أو حتى مطعم. وهو قياس غير صحيح قطعا. يكفى أن أشير مثلا إلى أن قرار تغيير ديكور استوديو فى قناة فضائية خاصة يمكن أن يُتخذ خلال أسبوع وينفذ خلال شهر، فى حين أن قراراً مماثلاً فى فضائية حكومية قد يحتاج عاماً وربما ينتهى بمن اتخذ القرار بالسجن لأى سبب مهما كان غير صحيح.القطاع الخاص يحكمه منطق عام اسمه: «من حكم فى ماله ما ظلم»؛ والعمل الحكومى يحكمه منطق عام اسمه: «المسئول حرامى إلى أن يثبت العكس». وقطاع واسع من المصريين أصبح يتصرف على هذا الأساس فعليا؛ لأن الكثير من الموظفين الحكوميين خلقوا ثقافة الانحراف بالسلطة واستغلال المنصب والتكسب من الموقع الوظيفى.وأصبح كثير من الشرفاء والأكْفاء يخافون من الالتحاق بالعمل الحكومى لاعتقادهم أنهم إما سيفشلون لأن البيروقراطية ستقتلهم أو لأنهم يخشون أن تكون جرأتهم فى اتخاذ القرارات الضرورية وبالا عليهم حين يترصدهم أعداؤهم وأصحاب المصالح الخاصة المعارضون للقرارات حتى لو كانت تخدم الصالح العام.فى مجتمعات أكثر استقرارا وديمقراطية منا ممن اعتادوا التداول السلمى للسلطة بعد انتخابات حرة نزيهة تفضى إلى أشخاص ديمقراطيين فى السلطة يسعون لتنفيذ برنامجهم الانتخابى، فى هذه المجتمعات ظهر مفهوم «شهر العسل السياسى» كتعبير عن فترة زمنية يعطيها الرأى العام للسلطة الجديدة حتى تتسلم مقاليد الحكم ثم تبدأ فى حسابها بعد ذلك، وعادة ما تقدّر بمائة يوم. وهى فترة ينصح بها من قادوا أتوبيس الدولة مثل «عم محمود» وعرفوا أن المسألة أعقد من مجرد الجلوس على الكرسى ولكن كذلك إدارة الملفات وتجهيز فرق العمل.مصر عرفت فائض حيوية سياسية بعد الثورة جعل الكثيرين يتعاملون مع كل من يصل إلى السلطة وكأنه خصم سياسى، فتبدأ الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات بسرعة لا تجعل حتى مفهوم «شهر العسل السياسى» له أى دلالة فى بيئتنا السياسية. وكانت هناك فرصة كبيرة للإعلاميين والصحفيين أن يصنعوا عنتريتهم بالهجوم السريع والشرس على أى حكومة جديدة بعد أن تصل إلى السلطة بأيام أو أسابيع قليلة دونما اعتبار لتعقد المشهد. ولو فكر أى إعلامى أو صحفى فى كم الوقت الذى يحتاجه هو كى يتأقلم على وضع جديد فى مهنته، لتلمس شيئا من العذر لمن يصلون إلى مناصب حكومية أيضا.وربما هذا ما يفسر صبر من شاهد هذا الجهاز الحكومى المترهل من الداخل. وهو ما حدث مع كاتب هذه السطور. وقد رأيت بعينى «خناقات» ومشادات كلامية حادة تحدث بين وزراء ومحافظين ومسئولين كبار بسبب العجز فى الموازنة وتضارب التوقعات وبعض أخطاء فى نقل المعلومات من موظفين فى وحدات أدنى وبعض التصريحات الصحفية غير الحذرة التى تسبب حرجا فرديا أو جماعيا، فضلا عن الشائعات.صبر من هم مثلى على من يصلون إلى السلطة لفترة «شهر العسل السياسى»، سواء مع المجلس العسكرى أو مع الدكتور «مرسى» أو مع الوضع الراهن، يفسره البعض وكأنه تملق أو رغبة فى الوصول إلى منصب. والله يعلم أن العكس هو الصحيح؛ فما هو إلا رغبة فى ألا نتظالم؛ لأن الظلم ظلمات.المهم أن «شهر العسل السياسى» للترويكا الحاكمة الجديدة: «السيسى - عدلى - الببلاوى» قد انتهت. وكالمعتاد سأغلب النصيحة على الفضيحة، وسأكون مع الدولة وليس مع السلطة، مع الحق وليس مع القوة؛ مع مصر ولا شىء ولا أحد غير مصر. ونسأل الله التوفيق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شهر العسل انتهى شهر العسل انتهى



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon