معتز بالله عبد الفتاح
عكس ما يبدو للبعض فى الداخل، فإن السياسة الخارجية المصرية قد حققت نجاحات كبيرة خلال الفترة الماضية. ولا بد أن يكون واضحا أن خطابات التصعيد الداخلية لو انعكست بنفس القدر فى الخارج دون مهارة من القائمين على الشأن الدبلوماسى المصرى فالنتيجة النهائية ستكون فى غير صالح مصر. لغة الدبلوماسى هى لغة حذرة بطبيعتها حتى وهى تميل إلى التصعيد. والعنترية والمبالغة فى السلوك اللفظى للقائمين على السياسة الخارجية للدولة يورطها ويوسع دائرة أعدائها ولا يفيدها إلا إذا كان سلوك السياسة الخارجية للدولة يتجه للتصعيد المفتوح، ليس التصعيد فى الداخل، ولكن التصعيد تجاه الطرف الخارجى. والتصعيد المفتوح عادة لا يكون من أجل تحقيق أهداف خارجية بقدر ما يكون جزءا من افتعال أزمات خارجية من أجل تحقيق شرعية داخلية. وهو ما لا نريده ولا تسعى إليه الدبلوماسية المصرية. ودعونا نوضح أصل المسألة حيث إن سلوك السياسة الخارجية لدولة ما يتأثر بمتغيرين كبيرين: مصالح هذه الدولة (وعادة ما تتخلص هذه المصالح فى نوعين كبيرين: مصالح مرتبطة بالأمن والاستقرار والاستقلال، ومصالح مرتبطة بالرفاه والتنمية والتحديث). وكذلك موازين القوى فى علاقاتها بالدول الأخرى. ومصر يقينا ليست فى أحسن أحوالها من ناحية ميزان القوى الشاملة، ولكنها تعرف تماما كيف تحقق مصالحها. وبصفة عامة حين تقرر الدولة أن تحدد «نمط» علاقتها بدولة أخرى فهى تختار بين خمسة أنماط كبرى، وهذه الأنماط بذاتها متغيرة من فترة لأخرى. وهذه الأنماط هى أولا التحالف مثل العلاقة التقليدية بين مصر ومعظم دول الخليج، وثانيا هناك نمط الشراكة (أى الصداقة) مثل علاقة مصر والولايات المتحدة أثناء الرئيس مبارك، أو الحياد (بمعنى أقرب لعدم الاكتراث مثل علاقات مصر بدول بعيدة ولا مصالح مشتركة معها)، رابعا المنافسة (وهى وصول العلاقة إلى التبارى من أجل تحقيق مصالح تتعارض مع مصالح آخرين، مثل علاقة أمريكا بألمانيا فى التنافس الاقتصادى)، العداء هو النمط الخامس من أنماط السياسة الخارجية للدولة ويعنى الدخول الصريح والمباشر فى حالة من الصراع تستخدم فيه أدوات السياسة الخارجية المختلفة. وأدوات السياسة الخارجية هذه أيضاً متنوعة بتنوع نمط العلاقة بين الدولة والدول الأخرى. وهذه الأدوات عادة ما تكون خمسا. هناك الأداة الدبلوماسية (سواء الشعبية التى يقوم بها أفراد لإقناع أفراد مجتمع آخر بموقف معين، أو دبلوماسية رسمية والتى يقوم بها المبعوثون الرسميون المحترفون للدولة لدى الدول الأخرى)، هناك ثانيا أداة المساعدات وهى تتنوع بين مساعدات أو دعم دبلوماسى، أو مساعدات اقتصادية، أو مساعدات عسكرية، وهناك ثالثا أداة العقوبات سواء الدبلوماسية، الاقتصادية، العسكرية، هناك كذلك الأداة المخابراتية بما تحمله من ثلاثية: المعلومات والتجسس والتخريب، وهناك خامسا الأداة العسكرية سواء بما تحمله من الحرب بالوكالة (أى دعم طرف فى صراع ضد طرف آخر) أو حرب محدودة (أى استخدام بعض الأدوات العسكرية مثل الصواريخ أو المقاتلات) أو حرب شاملة (تتضمن استخدام كل الأدوات العسكرية فى حرب دولة ضد دولة أخرى).
بتقييمى المتواضع لما حدث فى توجهات السياسة الخارجية المصرية خلال الشهور التى تلت 30 يونيو أستنتج أن الدبلوماسية المصرية بقيادة الوزير نبيل فهمى تسير فى الاتجاه الصحيح. وخلقت تحولا واضحا فى مواقف العديد من الدول التى أساءت فهم ما حدث فى أعقاب الحجر السياسى على الدكتور مرسى. ولكن المعضلة التى تواجهنا الآن أن الدبلوماسى مهما كان بارعا فإنه محكوم بحقائق على الأرض. وكما قال السابقون: «كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟» أى كيف يدافع الدبلوماسى عن سجل بلاده فى مجال احترام حقوق الإنسان وحقوق الإنسان تنتهك مثلا؟ أو يدعو الآخرين لاستثمار فى بلاده والبلد طارد لرأس مال أبنائه مثلا؟ أرجو ألا نتخيل أن الدبلوماسى يوجه كلامه إلى سرادق فى عابدين فى حين أنه حقيقة يتحدث فى الأمم المتحدة. مضمون الكلام يمكن ألا يكون مختلفا، ولكن اللغة تختلف. وهذا الاختلاف يفسره البعض على غير حقيقته.
نقلاً عن "الوطن"