معتز بالله عبد الفتاح
«على فكرة بقى، حكاية الانتخابات دى فاكسانة، والناس زهقت وما حدش هيشارك فى الانتخابات». قال صديقى محمد الميكانيكى.
«الناس نزلت قبل كده 5 مرات. وكل مرة يقول لينا كان فيه غلطة صغيرة وبالتالى طظ فى كلامكم انتم ما بتعرفوش تختاروا. طيب بتطلبوا رأينا ليه ما دام احنا ما بنعرفش نختار؟ خليهم يختاروا هم، احنا مش معترضين، ولو حتى معترضين، هنعمل إيه يعنى؟», استمر صديقى وأنا أستمع لاستطراد كلامه.
«وبعدين، ليه نقول «نعم» أو «لأ» على استفتاء وبعدين تعملوا حاجة تانية؟ فاكر لما رحنا فى 2011 وكنا فرحانين إننا أخيراً هيكون لنا صوت؟ إيه اللى حصل؟ بعد ما أغلبية الناس قالت نعم، راحوا عملوا حاجة تانية خالص وطلعوا إعلان دستورى. وبعدين الناس اللى خسرت فى الاستفتاء رجعت وقالت يا ريت نشغل دستور 1971 اللى هم كانوا رفضوه. هو انتم بتلعبوا بالشعب الكورة يا ولاد الذين؟ طيب لو أنا قلت آه أو قلت لأ، إيه اللى يضمن إن حد هيسمع كلامى؟ وبعدين هو يعنى إيه «آه» ويعنى إيه «لأ»؟ أنا رأيى بدل ما يحطوا اختيارات «آه» و«لأ» وبعدين يعملوا إعلانات دستورية والظيطة دى، هم يحطوا اختيارين: «مستكنيص» أو «مستهبيص» وبما إننا مش واثقين فيهم وهم مش واثقين فينا، اللى هيروح يختار أى اختيار. وهتلاقى برضه ناس بتقولك اختر «مستهبيص» فى الاستفتاء علشان تخش الجنة وتطلع فتوى إن المستكنيصين فى الدرك الأسفل من النار. وبعدين بقى خليهم هم يفسروا مستكنيص أو مستهبيص على مزاجهم. لو عايزين يمشوا الدستور ومسكتنيص فازت، يبقوا يقولوا عليها هى نعم، أو العكس».
فجأة انخرط صديقى فى الضحك الهستيرى، ولكن بدا من ضحكه أنه ضحك فيه مرارة الإنسان الحزين، ثم فجأة تحول ضحكه إلى بكاء ومعه صوت نحيب. وقبل أن أسأله لأطمئن عليه، قال: «طيب والنبى هيعملوا انتخابات ليه تانى؟ طيب ما احنا انتخبنا، ووقفنا فى الطابور، وكنا فرحانين. بس المصحح اكتشف أننا جاوبنا غلط. طيب ما نخلى مجلس الشعب القادم بالقرعة. يعنى مثلا لو عايزين مجلس الشعب يكون فيه 500 شخص يقسموهم 50 من العمال و50 من الفلاحين و100 من أساتذة الجامعة وهكذا. وكل الناس تقدم ورقها وفى الآخر نعمل قرعة ونوفر فلوس الانتخابات والطوابير. أو نمشيها مظاهرات، اللى يعمل مظاهرة أكبر يفوز فى الانتخابات. والمحكمة الدستورية موجودة تحل المجلس لو طلعت النتيجة النهائية مجلس مستهبيص أكثر من اللازم أو مستكنيص أكثر من اللازم. الموضوع بسيط. وبعدين الكلام ده لازم يتكتب فى الدستور علشان ما يطلعش غير دستورى. آه والنبى، إوعى لحسن الحاجة أمى وصتنى إن أنا ما أعملش أى حاجة غير دستورية».
قالها صديقى الميكانيكى وصوته يختلط عليه الحزن بالسخرية، ثم استطرد قائلا: «وبعدين لازم نكتب أهم مادة فى الدستور، اللى احنا كلنا عارفينها بس ما حدش عايز يكتبها ويقولها بصراحة. هى مادة موجودة فى كل الدساتير المصرية، وممكن تسميها المادة صفر اللى بتقول ثلاث كلمات: «الشعب مش مهم». علشان لما يقرروا يموتونا ما حدش يقرفهم ويقول لهم حقوق إنسان وغيره. هى دى أهم مادة. المادة صفر دى هى مادة صفرية فعلا. فاكر الأستاذ عبدالحميد بتاع الحساب لما كان يقول إن أى حاجة مضروبة فى صفر تساوى صفر؟ أنا رأيى إن كل مادة فى كل دستور فى مصر من ساعة ما عملوا دساتير مضروبة فى صفر. واحنا عارفين كده بس كنا بنضحك على نفسنا السنتين اللى فاتوا. بس اتضح لنا جميعا، مستكنيصين ومستهبيصين، إن أهم مادة هى المادة صفر».
انتهى صديقى من كلامه. وما كان منى إلا أن قلت له: «كل الشعوب تخطئ يا محمد، وأحيانا أخطاؤها تؤدى إلى حروب أهلية تستمر سنوات طويلة ويذهب ضحيتها عشرات الآلاف. وعادة ما تنخفض معها الروح المعنوية بشدة. ولكن فى النهاية تستمر الحياة والأهم أن نتعلم من أخطائنا وكما قال تشرشل: «لو تركنا الحاضر يصارع الماضى، فسيضيع المستقبل». دعنا نفكر فيما هو قادم. نظر إلىّ وعلى وجهه ابتسامة وفى عينه دموع ثم قال: «هحاول».
نقلاً عن "الوطن"