معتز بالله عبد الفتاح
سأبدأ باقتباس مطول من مقال إلياس حرفوش فى «الحياة» بالأمس.
«من الخطأ أن تستهين القيادة العسكرية الحالية بهذا المناخ. من الخطأ أيضاً أن تعتبر أن الحملة الإعلامية والسياسية والأمنية التى تخوضها ضد «الإخوان المسلمين» تستطيع أن تستمر فى كسب قلوب وعقول ودعم المصريين، إذا لم تأخذ فى اعتبارها ضرورة المحافظة على المكتسبات التى يعتبر المصريون أنهم حققوها من خلال ثورة 25 يناير، والتى لا يبدو من خلال حراكهم المستمر أنهم مستعدون للتخلى عنها. هذه المكتسبات هى ببساطة: عدم التطرف والمغالاة فى تطبيق القانون. احترام كرامة المواطن وحريته فى التعبير عن رأيه. وضبط سلوك الأجهزة الأمنية وقوات الشرطة التى كانت تجاوزاتها الماضية سبباً مباشراً وراء اندلاع الاحتجاجات التى انتهت بسقوط نظام حسنى مبارك. ثم، وربما الأهم، ضمان حياد القضاء واستقلاليته عن أهواء الحاكم، عند إصدار أحكامه».
يذكر إلياس حرفوش أن شهر نوفمبر صار لعنة على المصريين على مدار السنوات الثلاث الماضية. فى نوفمبر 2010 وما رافقه من تزوير للانتخابات ثم احتجاجات ضد نظام الرئيس حسنى مبارك ثم استخفافه بها من قبيل «خليهم يتسلوا» و«كبّر مخك» ثم ينتهى الأمر إلى إسقاط نظام مبارك بعدها بثلاثة أشهر.
ثم يأتى نوفمبر اللاحق فى 2011 وأحداث شارع محمد محمود والعنف الذى مارسته الدولة ضد المتظاهرين، وما أعقب ذلك من حملة شعبية واسعة ضد المجلس العسكرى الذى كان حاكماً آنذاك برئاسة المشير حسين طنطاوى، وذلك على الرغم من شبهة التحالف الذى كان قائماً لقرابة العام بين شبان الثورة والقيادة العسكرية. انتهى الأمر إلى إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن تسريع الجدول الزمنى لنقل السلطة والدعوة إلى انتخابات منتصف عام 2012 كحد أقصى.
ثم يأتى نوفمبر الثالث فى 2012 ويقرر الدكتور مرسى أن يقوم بمذبحة قلعة قانونية (والتعبير استخدمه أحد المقربين منه فى اليوم التالى مباشرة للإعلان الدستورى) لتعطيه صلاحيات رئاسية واسعة لا تليق برئيس ديمقراطى يحكم دولة ديمقراطية، ثم تستمر المكايدة والمكابرة والأفخاخ الكثيرة التى وقع فيها ولا يقع فيها إلا مبتدئون تم تحذيرهم ولكنهم كانوا يتحركون فى مسيراتهم لمصائرهم، انتهاءً بالغضب الشعبى وتدخل مؤسسات الدولة ومعها القوات المسلحة للحجر السياسى على الدكتور مرسى.
يسأل إلياس حرفوش: والآن... نوفمبر 2013! ولأول مرة منذ ذلك الإبعاد، تظهر الانشقاقات فى صفوف حلفاء الأمس الذين وقفوا معاً، مدنيين وعسكريين، ضد هيمنة «الإخوان» وسعيهم على مدى عام من حكمهم إلى فرض رأيهم ومواقف جماعتهم على مؤسسات الدولة وعلى قيم المجتمع المصرى. الانتقادات موجهة اليوم إلى الصلاحيات الواسعة التى أعطيت للمحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين الذين يتعرضون لأفراد الجيش والقوات المسلحة. ولمنح المجلس العسكرى ما يشبه حق الفيتو للموافقة على تعيين وزير الدفاع، فضلاً عن القيود التى فُرضت على مجلس الشعب لتحول دون مراقبة النفقات والمخصصات التى تصرف على الجيش ووزارة الدفاع. وفوق كل ذلك جاء قانون تنظيم التظاهرات الذى يواجه الآن احتجاجات واسعة.
ماذا يخبئ نوفمبر 2013؟ تحتاج مصر إلى الاستقرار أكثر من أى وقت وإلى توسيع شبكة علاقاتها الإقليمية والدولية والحد من أصوات الاحتجاج والانتقاد لسلوك حكومتها وقيادتها. هناك مخاوف من ألاّ تبقى الحملة على «الإخوان» كافية وحدها لكسب قلوب المصريين وعقولهم. عندها ستكون هناك حاجة للبحث عن طرق أخرى لإنعاش شعبية الحاكم.
انتهى كلام الرجل. ودعونا نسأل: ألا يوجد فى الحكم رجل رشيد؟ أتفهم حديث القائمين على الدولة من الرئاسة إلى الحكومة عن «هيبة الدولة» لكن مش واخدين بالكم إن كل مرة يتصاعد الحديث عن «هيبة الدولة» تتحول إلى «خيبة الدولة». مش واخدين بالكم إن هيبة/خيبة الدولة تعرضت للاختبار مرة مع مبارك، ومرة مع طنطاوى ومرة مع مرسى وكل مرة نجد أن جيل «الجرامافون» يقول لنا نفس الأسطوانة المشروخة التى لا يقتنع بها جيل «الآى فون». المسألة ليست بحاجة لعنف وقمع وبطش، فهذه أدوات الدولة العميقة العقيمة القمعية، المسألة بحاجة لحكمة ورحمة وحوار، فهذه أدوات الدولة القوية الناضجة الديمقراطية. إنه الجنون العظيم بين الغباء السياسى والتمرد الشبابى.
نقلاً عن "الوطن"